صور
صور
أمسك بي صاحبي ليقوم بوضع صورة جديدة بداخلي فأنا ألبوم صوره منذ كان صغيرا.
كلما يلتقط صورة جديدة ، يقوم بالإحتفاظ بها، خوفا عليها من الفقد أو التلف ،
كنت دوما عند حسن ظنه ، إذ كنت أقوم بدوري على أكمل وجه.
بين الحين والآخر يقوم بفتحي ، يقلب صفحاتي ، يسترجع ذكرياته ، يريها لأبنائه وأحفاده ،
ويعود لإغلاقي مرة أخرى ، يعيدني مجددا ، لداخل الخزانة ، حيث إعتدت المكوث منذ زمن.
كالعادة الظلام يحيط بي من كل جانب ، ولولا وجود تلك الفرجة الصغيرة التي يدخل منها الضوء الصادر من المصباح الذي يتوسط الغرفة لظننت أنني قد أصبت بالعمى منذ زمن.
أشعر بالملل الشديد ، فقد أصبح نادرا ما يمسك بي ، بعدما كان في السابق يتصفحني بصورة يومية ،
والإبتسامة لا تفارق شفتاه وهو يتذكر كل موقف قام بإلتقاط صورة فيه لتظل الذكرى باقية للأبد.
قررت أن العب مع الصور الموضوعة بداخلي لعبة مسلية ، لتجاوز حالة الملل التي أشعر بها.
فخاطبتهم متسائلا:
أتظنون أي صورة منكم تستحق أن تكون في الصفحة الأولى ؟
تعالت الأصوات واختلطت وكل واحدة تتحدث بأنها الأجدر بذلك ، إرتفعت ضحكتي عالية.
وخاطبتهم قائلا:
إذن يجب أن تخبرني كل منكم عن مميزاتها التي تجعلها أهم صورة ،
ومن أقتنع بحديثها فسوف تصبح الصورة الأولى.
وافقوا جميعا على شرطي.
كان أول المتحدثين صورة صاحبي وهو طفل رضيع مستقليا على ظهره ، يضحك ببراءة تأثر القلوب.
وقالت : بالطبع انا من يجب أن يكون فى البداية ، فأنا أول صورة ألتقطت له ، وأنا من وثقت فرحته البريئة وكلكم أتيتم بعدي.
إقرأ أيضا: عند فترة مراهقتي كنت أمتلك قائمة للفتى الذي سأود الزواج به
قاطعتها صورة صاحبي في أول يوم يذهب فيه للمدرسة الإبتدائية لترد قائلة :
لا بالطبع أنا من تستحق هذا الشرف ، فأنا توثيق لبدايته العملية ،
أول فرحة بدأ يستوعب معناها ، أول خطوة في طريق حياته لذا أرى أنني من يجب أن توضع في المقدمة.
ردت صورة صاحبي وهو واقفا بداخل الحرم الجامعي في أول يوم إلتحق بها ،
وتظهر خلفة اللافتة المميزة لكلية الهندسة ، لتتحدث قائلة :
بل أنا من أستحق أن أكون الأولى ، فلقد تحددت ملامح مستقبله منذ ذلك اليوم.
وأظن أنه كان أكثر أيامه سعادة.
قاطعتها صورة صاحبي في حفل التخرج من الجامعة لترد قائلة :
بل أنا ، فأنا المتممة لمسيرته الدراسية الطويلة التي خاضها منذ المرحلة الإبتدائية وحتى ذلك اليوم ،
كلكم كنتم تمهيدا للوصول لليوم الذي إلتقطني فيه لذا أرى أنني الأجدر بهذا الشرف.
سمعت ضحكة تأتي من مكان ما وسط الظلام المحيط بي ، إستفسرت عن صاحبتها ،
فأخبرتني بأنها صورة يوم خطبة صاحبي على شريكة حياته.
وأكملت قائلة :
جميعكم تحدث من الناحية العملية أما أنا ففرحته الحقيقية عندما إلتقى بحب حياته ،
ألا ترون وجهه المضيء وعينيه التي تظهر بداخلهما الفرح.
أتذكر ذلك اليوم جيدا كان قلبه يرقص طربا عندما أمسك بيدها للمرة الأولى ليلبسها خاتم الخطبة ، لذا أنا أستحق أن أكون الصورة الأولى.
تحدثت صورة العرس التي يجلس فيها مرتديا بدلته السوداء وبجواره زوجته ترتدي فستانها الأبيض ، وقالت :
أنا أتفق مع ما قالته صورة الخطبة ، إن فرحة القلب لا يمكن مقارنتها بالفرحة العملية في الدراسة والعمل ،
ولكنني أرى أننى الأحق من صورة الخطبة بهذا الشرف.
فأنا فرحته الكبرى يوم لم شمله على شريكة حياته ، أنا اليوم الذي عاش طويلا يحلم به حتى تحقق.
إقرأ أيضا: أنا أرملة ويتيمة بعمر الثلاثين
قاطعتها صورته وهو يقف مبتسما بجوار زوجته ويحمل بين ذراعيه مولوده الأول ،
وتحدثت قائله :
أعتقد أن أي فرحة تحدثت أيا منكن عنها لا تضاهي فرحته عندما رزق بطفله الأول ،
فتلك أثمن غاية يمكن لأي شخص أن يتمناها وبالطبع لا يخفى على أي منكم الفرحة الهيسترية البادية على وجهه ،
لذا أرى أن أكون أنا الصورة الأولى.
سمعت صوتا هادئا يتحدث وسط الظلام قائلا :
بل أنا من أستحق ذلك الشرف
خاطبتها قائلا : من أنت؟
إقتربت حتى أستطعت تبين ملامحها ، كانت صورته وهو يؤدي مناسك الحج.
تحدثت قائلة :
جميعكم تحدثتم عن فرحة وسعادة دنياوية زائلة ، أما أنا فالفرحة الحقيقة.
الفرحة بالرضا والإيمان ، إلتقطني ليوثق لحظة رائعة شعر فيها قلبة بالطمأنينة والخشوع ،
لذا أرى أنني أستحق أن أكون الصورة الأولى.
عم الهدوء وصمت الجميع ، فتحدثت قائلا :
هل توجد هناك صورة أخرى لم تشاركنا؟
أتى الجواب بالنفي مما يدل على أنهم جميعا تحدثوا.
نظروا جميعا إلي منتظرين ما سأقوله وأيا منهم سأختار ، بعدما سمعت أرائهم جميعا ، فتحدثت قائلا :
لقد غاب عنكم جميعا شيئا هاما ، لقد كنتم مكملين لبعضكم البعض.
لا يمكن أن نختزل أفضل فرحة مرت عليه في موقف واحد أو صورة واحدة ونغض البصر عن الباقي ،
كل منكم كان أفضل فرحة في وقته ، لا يمكن أن نعقد تلك المقارنة الظالمة.
فحياة صاحبنا مجموعة من المواقف التي كنا شاهدين عليها ، وإذا غابت أي صورة منكم ولم يتم إلتقاطها ،
لشعر صاحبنا بأن هناك شيء ينقصه ، لقد كنا جميعا شركاء في فرحته منذ ولادته وحتى تلك اللحظة.
فالسعادة الحقيقية هي تلك الحياة التي عاشها كما هي بدون أن نبخس أي موقف حقه ،
فحياة أي إنسان عبارة عن مجموعة من المواقف المترابطة ببعضها البعض.