عدت من مدرستي قاصدا بيتي بعد شهور من فراق أمي ، كان أول يوم دراسي لي بعد رحيلها وكان ما زال مفتاح بيتنا فى حقيبتي.
دخلت بيتنا وقد نسيت أن لم يعد لي أحد به ، ناديت دون وعي : أمي ، أمي أحضري لي الطعام سريعا فأنا جائع جدا.
لكن لا أحد يرد ، أسرعت إلى المطبخ على أمل أن أجد أمي تعد لي الطعام ، لكن لم أجد أحد.
ركضت نحو كل غرفة أبحث عنها وأنا أنادي أمي أمي أنا جائع ومتعب يا أمي أين أنتي؟
ولكن لا أحد يجيب.
ركضتُ مسرعا إلى غرفتها على أمل أن أجدها تستريح في فراشها ، لكني لم أجد غير صورة لها معلقة على حائط الغرفة ،
تحوي على شريط أسود في زاوية البرواز.
أخذتها وأنا أنظر لها بخيبة أمل واستلقيت على فراشها وأنا بالكاد أتنفس ،
أنظر إلى صورتها بكل شوق وحزن وعيناي تفلت أدمعها عنوة أنا جائع يا أمي ، متعب ، أحتاجك ،
أين أنتي؟
ثم دون وعي أغشى علي وأنا أحتضن صورتها وخضت في نوما عميق.
فإذ بيدين حنونتين تلمس وجنتي وتطبع قبلة حانية على جبيني وتهمس في أذني.
إستيقظ يا هادي فقد أعددت لك الطعام.
فتحت عيني فإذ هي أمي فاستيقظت فرحا أمي! أنتي ما زلتي على قيد الحياة.
قالت لي وهي تبتسم لا تخف أنا هنا من أجلك لن أتركك.
هللتُ فرحا وأحضتنتها بقوة وقبلتها أحبك يا أمي ، لا تترُكيني مرة أخرى.
تبسمت وقبلتني ثم حملتني وهي تداعبني قاصدة مائدة الطعام وقد أعدت طعامي المفضل.
فهللتُ مرة أخرى أحبك يا أمي.
إقرأ أيضا: كانت جالسة كعادتها حتى أتاها وقال لها تفضلي القهوة آنستي
وركضت نحو المائدة وأنا في نهم لألتهمه وأمي تراقبني تضحك حتى قاطعتها بعرقلتي ،
واسقطت الأواني دون قصد وهي تصرخ إنتبه حبيبي ، لأستيقظ على صوت جدتي وهي توقظني ،
وقد تجمع أقاربي حولي بعد بحث طويل عني حين لم أعد إلى بيت جدتي.
فنظرت لهم فزعا فحضنتني جدتي وهي تبكي وتقول لقد قلقت عليك كثيرا بُنيّ
قُلت لها وأنا فرح وبدون وعي : أمي ما زالت حية يا جدتي ، لقد رأيتها وأعدت لي طعامي المفضل ،
ولكني أفسدت الأمر واسقطتُ الأواني ، قولي لها أني لم أقصد ،حتى لا تغضب مني ، قولي لها يا جدتي.
فبكت جدتي والجميع بحرقة من وجع كلماتي ، وقالت لي بصوت مبحوح : إنه كان مجرد حلم يا هادي.
وقعت كلماتها على قلبي كالخنجر ، وصرختُ فيها فلماذا أيقظتونيمن النوم؟!
لماذا ؟ لماذا لم تتركوني معها ؟
ومن يومها وأنا ألعن اليقظة ، فيا ليتني لو أحتسي عمري حلما.
ورفقا بمن فقد أمه ، إحتفلوا بيوم الأم بصمت.