عرف الإستعمار
عرف الإستعمار
كان هذا واجبا مدرسيا فرضته أستاذة مادة التاريخ على تلاميذها ، أرادت من خلاله معرفة كل ما تم استيعابه خلال الفصل الدراسي ،
حتى أنها قامت بفرض عقوبة على كل من يتقاعس عن تأدية واجبه.
باشرت بقراءة ملخص التلاميذ النجباء الذين يجعلونها تشع بالفخر والراحة على كل ما تقدمه لهم ،
بينما تركت ملخصات المشاغبين للأخير ، خصوصا ذلك التلميذ المهمل الذي يتأخر دوما وكثيرا ما عرض نفسه للعقاب ،
تركت ورقته للأخير لدرجة أنها استغربت كونه أدى واجبه عكس ما توقعته ،
فتحت ورقته وباشرت في التقاط الكلمات رغم أن النعاس قد تغلب عليها.
عرف الإستعمار ..
رغم أنه لم تكن لي فرصة لحضور كل حصصك الصباحية ، لكن سأخبرك عنه وعن ما يعنيه لي.
الإستعمار بالنسبة لي هو تلك المرأة التي جلبها لنا والدي لتحتل مكان والدتي بعد رحيلها ،
تلك السيدة التي يجبرنا على مناداتها ب ” أمي ” لم تأخذ من والدتي اسمها فقط ، بل حتى فراشها ،
وسادتها وكل ركن في بيتنا ، أخذت كل شيء جميل تركته والدتي خلفها ، غيرت الأثاث وطريقة ترتيب المنزل ،
أخذت مكان أمي على طاولة الطعام ، أخذت منها الحق في طريقة ارتداء ثيابنا.
الإستعمار يا معلمتي هو حين ألقت تلك المرأة بثياب أمي وأغراضها خارجا وقامت بإحراقها ساخرة من شكلها ،
كانت تقول أنها موضة قديمة ، وأنها لا تفقه شيئا في الأناقة ، لم تكن تعلم أن أمي كانت تشتري لنا ما نطلبه وتحرم نفسها ،
هي أخذت مكان أمي عنوة فهي لا تستحقه ، هي لا تدرك أنها كانت تضحي بأغلى ما تملك من أجل سعادتنا.
الإستعمار يا معلمتي هي قمع تربية والدتنا لتربينا على طريقتها ، تجبرنا على الأعمال الشاقة ،
تطردني إلى الشارع لأعمل بعد أن تحولت خزينة والدي لخدمتها هي فقط ، بينما تجبر أختي على أعمال البيت رغم صغر سنها.
إقرأ أيضا: الصبي الذي صار إماما
الإستعمار حين تصرخ في وجوهنا ، تعاقبنا ، تضربنا دون سبب ، دون ذنب يذكر ، قتلت براءتنا ،
قتلت طموحتنا في الدراسة ، فهي لم تكلف نفسها يوما إيقاظنا لنصل باكرا لمدرستنا ،
لم تهتم يوما برغباتنا ، لم تسألنا يوما إن تناولنا طعامنا أم لا ، حتى أنها كثيرا ما عاقبتنا بحرماننا منه.
هل أدركت الأن لما كنت أتأخر ، لماذا لا أنجز واجباتي ، ثيابي غير مرتبة ، لا أملك نصف أدواتي؟
لأن الإستعمار الذي تسألين عنه يعيش في بيتنا.
أنتي ماذا فعلت؟ أنتي الشخص الذي ظننته يقف في صفنا لكنك لم تفعلي ، أنت وقفت ضدي ولم تحاولي الإستماع إلي مطلقا ،
أو حتى سؤالي منفردا ، لطالما استمتعت بإحراجي أمام الكل ، أظنك تعرفين الأن من انت بالنسبة للإستعمار دون أن أشرح لك.
أعلم أنك ستعاقبينني أيضا بعد كل هذا ، ولن أهتم فقد تعودت على كل أنواع العقوبات ، لكني أود إخبارك أمرا ،
الأقوياء وحدهم من ينالون استقلالهم ، الضعفاء لا يتحررون بل ينتقلون من مستعمر واحد إلى مستعمرين كثر يعيشون في هذا المجتمع.
صحيح أني سأكبر يوما ما وأصبح أقوى ، لكن حتى وإن حصل ذلك يا معلمتي سيظل هذا الماضي يستحوذ على مستقبلي ،
وستظلين أنتي وهي وهم تاريخا استعماريا أدرسه لأبنائي.