عشبة خضراء الجزء الثاني

عشبة خضراء الجزء الثاني

فكرت عشبة خضراء في الطريقة التي ستدخل بها القصر فهي تعرف خبث بنات عمها ولا شك أنهن دسسن أعوانا يراقبون الداخل والخارج.

ثم تذكرت أن أباها السلطان يحب التفاح ، فنزلت إلى السوق وأخذت تتجول وتنظر إلى دكاكين الباعة المليئة بالبضائع وأعجبتها هذه الحركة والضجيج.

وقالت : كم أحب الحياة وسط الناس كل همهم توفير عيشهم وتربية صغارهم ،

وليس مثل أهل القصر الذين يقضون وقتهم في حياكة الدسائس كانت منشغلة في أفكارها لما سمعت أحد الباعة ينادي على التفاح ،

كان عجوزا أمامه عربة فيها سلال تفاح أحمر.

فتوقفت أمامه فهذا هو النوع الذي يحبه أبوها ، لكن كيف السبيل إلى أخذ سلة ،

فليس معها مليم واحد ، وفجأة شاهدت ولدا فقيرا رث الملابس يقترب من العربة ويطلب تفاحة لأمه المريضة.

لكن البائع كان بخيلا وطرده دون رحمة
فجلس الولد في ركن يبكي.

تألمت عشبة خضراء لبكائه وقررت تلقين البائع درسا لن ينساه ، فقالت للولد سأسرق تفاحة وأهرب بها ،

ولما يجري البائع خلفي خذ سلة مليئة ثم انتظرني في ركن بعيد وسآتي إليك ونقتسم التفاح.

فمسح الولد دموعه ثم أخبرها أن إسمه حسن وهو يعيش مع أمه وليس لهم مال وستفرح بهذا الطعام.

كما هو متوقع جرى الرجل وراء عشبة خضراء وهو يسب ويلعن ، لكنه سقط واتسخ وجهه بالطين ،

فشمت حسن فيه وأخذ السلة ثم توارى في أحد الأزقة.

وبعد قليل جاءته البنت ، واقتسما التفاح ثم سألته إن كان يعرف طريق القصر.

فأومأ لها بالإيجاب كان الولد يأكل تفاحة وبينما هو يمشي شعر بأن رائحة التفاح بدأت تفوح كالمسك ،

وتعجب لذلك ثم قال لها : أنت عشبة خضراء أليس كذلك؟

أجابته نعم وليبق الأمر سرا بيننا.

إقرأ أيضا: لا غنى يدوم ولا فقر يبقى

ولما وصلا القصر طلبت منه أن ينتظرها ثم إقتربت من أحد الحراس وقالت له أنا فلاحة ولقد قطفت لمولاك السلطان هذه الثمار من بستاني فأدخلها إليه.

ثمّ نظرت إليه بعيونها الزرقاء بدلال
فأجابها : سأفعل ذلك من أجل عيونك ،

وربما كافأني سيدي على هذه الهدية الجميلة.

قالت عشبة خضراء في نفسها : لما يرى أبي هذه التفاحات الفواحة سيعرف أني من أرسلها إليه ويخرج للقائي.

في ذلك الوقت خرجت بنات العم الثّلاثة إلى شرفة القصر فرأين بنتا واقفة قرب الباب فقالت إحداهن :

ماذا تفعل هذه المتشردة هنا وكيف سمح لها الحراس بالإقتراب؟

لكن الطقس في ذلك اليوم كان حارا فخلعت الأميرة العباءة عن رأسها وتطاير شعرها الذهبي فصاحت البنات في وقت واحد ،

إنها عشبة خضراء وأمرن عبيدهن أن يقبضوا عليها ويرموها في قبو القصر.

كان حسن جالسا من الجهة المقابلة للقصر وفجأة رأى العبيد يتسللون وراء عشبة خضراء فقال لها :

أهربي فجريا وسط الأزقة وحين كاد العبيد يلحقون بهما أمسك حسن يدها وأدخلها أحد البيوت وأغلق الباب ورآهم ،

ومن الشق يتوقفون وينظرون حولهم بحيرة ثمّ قسموا أنفسهم إلى مجموعتين وسارت كل واحدة في ناحية.

سمعت عشبة خضراء أنينا خافتا ولما إلتفتت رأت إمرأة طريحة الفراش وقد علا وجهها الشحوب وقالت بصوت خافت : حسن هل هذا أنت؟

فجرى إليها ، وقبل رأسها وقال لها : نعم يا أمي والفتاة التي معي هي الأميرة ثم أخرج لها تفاحة وقال لها كلي يا أمي.

قالت المرأة لعشبة خضراء : إقتربي يا ابنتي لكي أراك فعانقتها الفتاة وقبلتها وفجأة جرت من عينها دمعة كبيرة كأنها لؤلؤة سقطت في حلق المرأة المريضة ،

ثم قالت لها يحق لك أن تفتخري بإبنك فهو شهم وذو فطنة وعقل.

أجابتها : نعم ، له صفات أبيه ولقد كان رجلا رائعا.

إقرأ أيضا: سر الغربان الجزء الأول

سألتها عشبة خضراء وأين هو الآن يا خالة؟

تنهدت المرأة ثم أجابتها بنبرة حزينة : إنه في سجن القصر فلقد كان طبيبا حسن السمعة لكن إتهموه بالدجل والشعوذة ،

وحالنا الآن على ما ترين من الفقر والجوع وعذرا يا إبنتي ليس لي شيء أقدّمه لك.

لم يمض وقت طويل حتى نهضت أم حسن من الفراش وقالت :

هذا غريب فلقد إنتهى الصداع وخفت الحمى إذهب يا ولد إلى جارتنا واستلف منها شيئا من الدقيق والبصل والطماطم وسأطبخ شيئا نأكله.

لمّا رجع حسن وجد أمه قد أشعلت الفرن وغسلت القدر والصحون وفرح لما رآها بأتم عافية ،

فمنذ مدة لم يذق الطعام لشدة مرضها وعرف أن شفاءها هو الله وتلك البنت وهي السبب تجلب الخير لكل مكان تذهب إليه ولم يكن يصدق ذلك حتى رآه بنفسه.

دخل الحارس على السلطان وفي يديه سلة من التفاح ، قال له السلطان إن لم تخبرني من أعطاه لك ضربت عنقك.

رد الرجل : إنها فتاة فقيرة زرقاء العينين وهي عند الباب فقال له السلطان : هيا بنا نسرع فالتي قابلتها هي الأميرة عشبة خضراء.

سأله الحارس بدهشة ولماذا لم تدخل يا مولاي؟

قال السلطان من المأكد أنها خائفة من شيء ، وسنعرف ذلك في أوانه.

وحين وصلا إلى الباب لم يجدا أحدا فسألا بقية الحرس عن البنت التي كانت واقفة وأخبروهم أنها هربت مع ولد في مثل سنها وأن البعض كان يطاردها.

صاح السلطان : إبنتي في خطر لا بد من العثور عليها ثم أرسل جنوده في المدينة وسمع الناس بالحكاية ،

وتساءلوا من له مصلحة في إيذاء الأميرة التي أعطتنا كل هذا الخير وبسببها زال الجفاف واخضرت الأرض.

أما الثلاثة البنات فشعرن بالخوف بعد أن صار الجميع يبحث عن الأميرة وعرفن أنه آجلا أم عاجلا ستتوجه لهن أصابع الإتهام فأعطين العبيد مالا وطلبن منهم الرحيل بعيدا.

لكن أحدهم كان يحب جارية من القصر لذلك لم يسمع الكلام وبقي في المدينة ليرى حبيبته كل يوم.

إقرأ أيضا: أنتم الآن في منزلي الجديد

جاء حسن لعشبة خضراء وقال لها : كل المدينة تبحث عنك وأرى أن تبقين مختفية هنا ،

فما دامت بنات عمك في القصر فذلك المكان ليس آمنا ولا بد من تدبير حيلة للإنتقام منهن ،

لكن في إنتظار ذلك يجب أن نأكل ونشرب.

وفي المساء دقت عليهم أحد الجارات وقالت لحسن سمعت أن أمك قد شفيت وأريدك أن تدلني على الطبيب الذي عالجها.

فقال لها : لقد علمني أبي الطب وصنعت لها دواءا كان فيه الشفاء ،

ثم نظر في عينيها وقال لقد عرفت مرضك وسأعطيك مشروبا ينفعك.

ثم خلط قطرة من دموع الأميرة مع ماء الزهر وفي الغد شفيت الجارة وحملت له سلة فيها دجاحة وعشرة بيضات.

تسامع الجيران بحسن وصاروا يجيئون لبيتهم واحد يعطيه تمرا والآخر قمحا وكل إنسان وهمته وأصبحت أم حسن تبيع ما زاد عن حاجتها ،

وأصلحت الدار وفرشتها بالزرابي ، ولم يمض وقت طويل حتى ذاع صيت حسن إبن سالم الطبيب الذي يداوي والفرج على الله.

في أحد الأيام مرض السلطان من كثرة الحزن على إبنته وجاء الأطباء ووصفوا له الأدوية والأعشاب ،

لكن حالته لم تتحسن وخافت عليه زوجته وقالت له :

هناك ولد إسمه حسن يقول الناس إنه بارع في الطب رغم صغر سنه وكل فقراء المدينة يقصدونه لأنّه لا يطلب مالا سنذهب إليه فلن نخسر شيئا.

أجاب السلطان : لن ينفع شيء فلن أشفى إلا عندما أرى عشبة خضراء لكن لا مانع أن أرى ذلك الولد وأشكره على فضله.

إقرأ أيضا: عشبة خضراء الجزء الثالث

تنكّر السّلطان وزوجته لكي لا يعرفهما أحد ثم ذهبا إلى منزل حسن ولم يكن من الصّعب الوصول إليه ،

فلقد سمع به أكثر أهل المدينة كان هناك حشد من المرضى أمام الباب ،

فلم يجد السلطان بدّا من الجلوس والإنتظار في الحر ، لكنه صبر وأخذ يستمع إلى ما يقوله الجالسون إلى جواره.

قال أحدهم للآخر : لما نمرض لا نجد علاجا ولا أحد يهتم بنا ،

لكن الحمد لله جاء هذا الولد وعالج الفقراء ولولاه لمات الكثيرون منهم وقد عظم أمره وأحبه الناس.

زاد فضول السلطان لرؤية حسن وقال في نفسه : لقد أحسنت زوجتي صنعا لما دعتني للقدوم إلى هنا.

وبعد ساعة جاء دوره فدخل إلى غرفة نظيفة وتعجب لما وجد أمامه فتى صغير السن جميل الملامح ،

فسأله عن مرضه فأخبره أنه فقد إبنته الوحيدة ويشعر بالحزن من أجلها.

يتبع ..

Exit mobile version