عشت في الغربة وأنا أذرف الدموع شوقا لأهلي ، ثم إذا زرت أهلي وجدت نفسي غريبا بينهم ،
فاتتني أخبارهم وتحولاتهم ، وصرتُ فقط ضيفا عندهم!
لأشتاق لوطن المهجر مرة أخرى.
قد تطول بنا الحياة ثم نكتشف أن كل مرحلة من مراحل حياتنا هي غربة ،
وقد نعيش أياما نكون فيها غرباء حتى في بيتنا ، وسط أهلنا.
نعيش ونحن ننكر الكثير من الأمور على المكان الذي نعتبره وطننا ، ونتمنى وطناً غيره.
ثم نعيش وننكر أغلب أنماط الحياة في الوطن الآخر ونشتاق للعودة إلى الوطن.
ثم نكتشف بين هذا وذاك ، أن لا موطن حقيقي لنا في الدنيا.
إنما هي محطات ، نهايات وبدايات ..
والمحطة الأخيرة ، الوطن الحقيقي ، هي المثوى الأخير ، هو بيتنا في الجنة.
ملكية أبدية أزلية ما دامت السموات والأرض.
بيتنا الحالي ، سينتقل لغيرنا ، وأملاكنا سيرثها ويوزعها ويبيعها ورثتنا.
أولادنا ، سيتزوجون ويغادروننا ، أزواجنا قد يُخلصون لنا ، أو يتزوجون غيرنا.
والدانا سيرحلان ، إخوتنا سيتشتتون بحثاً عن أرزاقهم.
البشر من حولنا يذهبون.
وما نمتلكه حقا ، هو ملكية مؤقتة ، ستذهب إلى غيرنا عندما نفقد أهليتنا في الحياة.
الموت ، هو النهاية الحقيقية للغربة ، وهو البداية الحقيقية للعودة إلى حضن الوطن ،
لذا عندما نعيش بين تلاطم أمواج الغربة طوال الحياة ،
فإن الشيء الوحيد الذي يجب أن نفكر فيه هو ما الذي سنتركه في هذه الغربة ،
لنمتلكه غدًا بعد موتنا ، على أرض وطننا.
إقرأ أيضا: يا جابر الكسر أدركنا من الفقر
بيتنا الحقيقي في الجنة ولكن بانتظار أن ندفع ثمنه هنا.
فصلوا حبلكم بالله ، وادفعوا ما استطعتم من بضاعة الدنيا ثمناً للآخرة.
ولنتذكر ، أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان قبره في المدينة ، وليس في مكة.
وإن أغلب الصحابة من المهاجرين والأنصار قبورهم حول العالم ، خارج أوطانهم الحقيقية.
الوطن ليس ما نولد فيه أو نحمل جنسيته ،
ولا ما نعيش طفولتنا فيه أو نشب عليه ،
ولا ما نتزوج أو ننجب أو نبحث عن رزقنا فيه ،
الوطن هو المكان المؤقت الذي نبيع ونشتري فيه من أعمال الدنيا ، ثمنا لشراء أوطاننا الحقيقية في الآخرة إن شاء الله.