Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
إسلام

علماء في مواجهة السلاطين

علماء في مواجهة السلاطين

عندما تولى الحَكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل الحُكم في الأندلس مال إلى أهل الفسق ، واقترف الكبائر والمنكرات.

فتحرك الفقهاء وأنكروا عليه فعله وأعلنوا له ذلك صراحة ، فحصل منه ما حصل للفقهاء من قتل وتعذيب.

وشاء الله لبعضهم النجاة فهرب منهم من هرب!

وكان أحد العلماء المطلوبين لسيف السلطان الإمام الفقيه ، طالوت بن عبدالجبار تلميذ الإمام مالك ،

وهو من أكابر الفقهاء) وقد هرب من بطش الحَكم ، واستخفى عند جار له يهودي مدّة عامٍ كامل.

واليهودي في كل يوم يقوم بخدمته ويكرمه أشد الكرم ، فلما مضى عام كامل طال على الإمام طالوت الإختفاء ،

فاستدعى اليهودي وشكره على إحسانه إليه ، وقال له :

قد عزمت غدًا على الخروج وسأذهب إلى الوزير أبي البسام ، فقد قرأ عليّ القرآن وعلمته العلم ،

ولي عليه حق التعليم وحق العشرة وله جاه عند الحَكم. فعسى أن يشفع لي عنده فيؤمنني ويتركني.

فقال اليهودي : يا مولاي لا تفعل ، إني أخاف عليك من بطش الحَكم بك.

وجعل اليهودي يحلف له بكل يمين ، ويقول له : لو جلست عندى بقية عمرك ما مللت منك.

فأبى طالوت إلا الخروج .

فخرج في الخفاء ، بالليل ، حتى أتى دار الوزير فاستأذن عليه ، فأذن الوزير له.

فلما دخل عليه رحب به وأدنى مجلسه وسأله أين كان في هذه المدة فقص عليه قصته مع اليهودي.

ثم قال الإمام طالوت للوزير أبي البسام :
إشفع لي عند الحَكم حتى يؤمنني ،
فوعده الوزير بذلك.

ثم خرج الوزير من فوره إلى الأمير الحكم ووكل بطالوت من يحرسه ،

فلما دخل الوزير أبو البسام على الأمير الحَكم قال له :

لقد جئتك بهدية ، جئتك بطالوت رأس المنافقين ، قد ظفرت به.

إقرأ أيضا: كان هناك شيخ يعلم تلاميذه العقيدة

فقال الحكم : قم فعجل لنا به.

فلم يلبث أن أدخل الإمام طالوت على الأمير ، وكان الأمير يتوقد ويشتعل غيظا منه ،

فلما رآه جعل يقول : طالوت؟!
الحمد لله الذي أظفرني بك.

ويْحك والله لأقتلنك شر قتلة!
كيف إستبحت حرمتي؟

فقال له الإمام طالوت : ما أجد لي في هذا الوقت مقالا إلا أن أقول لك :

والله ما أبغضتك إلا لله وحده حين وجدتك إنحرفت عن الحق وما فعلت معك إلا ما أمرني الله به.

فسكن غيظ الحَكم ثم قال : يا طالوت ،
والله لقد أحضرتك وما في الدنيا عذاب إلا وقد أعددته لك ،

وقد حيل بيني وبينك ، فأنا أُخبرك أن الذي أبغضتني له قد صرفني عنك ،

إذهب قد عفوت عنك.

ثم سأله الحَكم يا إمام : كيف ظفر بك الوزير أبو البسام ؟

فقال : أنا أظفرته بنفسي عن ثقة ، فأنا لي فضل عليه ، فقد علمته القرآن والبيان ،

واستأذنته أن يشفع لي عندك ، فكان منه ما رأيت.

فقال له : فأين كنت قبل أن تذهب إليه ؟

فأخبره طالوت بخبر اليهودي.

فأطرق الأمير رأسه ، ثم نادى على وزيره أبي البسام ، وقال له :

يالك من رجل سوء ، قاتلك الله أيها المشؤوم ،

أكرمه يهودي من أعداء الملة ، وستر عليه لمكانة العلم والدين ، وخاطرَ بنفسه من أجله ،

إقرأ أيضا: كان في زمن سيدنا موسى عليه السلام رجل لا يستقيم على التوبة

وغدرت به أنت يا صاحب الدين حين قصدك !

أيها المشئوم ألا أديت له حق تعليمه لك؟!

ألم تعلم أنه من خيار أهل ملتك؟!
وأردتَ أن تزيدنا فيما نحن قائمون عليه من سوء الإنتقام!

أُخرج عني ، قبّحك الله.

لا أرانا الله في القيامة وجهك هذا ، إن رأينا لك وجها!

ولا أريد أن أراك بعد اليوم أيها المشؤوم ،
ثم طرده من الوزارة وضيق أرزاقه.

ثم مضت سنوات فرأى الناس هذا الوزير المنافق الكاذب في فاقة وذُلّ ، فقيل له :
ما بك وما الذى أصابك؟

قال : استُجيبت فيَّ دعوة الفقيه طالوت.

وكتب الحَكم لليهودي كتابا بالجزية فيما ملك ، وزاد في إحسانه ، فلما رأى اليهودي ذلك ، أسلم.

وأما طالوت فلم يزل مبرورًا عند الأمير إلى أن توفى ، فحضر الحكم جنازته وأثنى عليه بصدقه وإخلاصه وعلمه.

أوردَ هذه القصة الذهبي في السِّيَر
سيرة الحكم بن هشام ٨ / ٢٥٤

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?