علماء يجب معرفتهم هل تعلم أنه إخترع أول روبوت في العالم؟
علماء يجب معرفتهم هل تعلم أنه إخترع أول روبوت في العالم؟
ما تزال القرون الوسطى التي عرفت نهضة إسلامية كبيرة ، مجهولة لدى الكثير من الناس ، ولا تزال تلك الحضارة مليئة بالأسرار.
فالعلماء المسلمون حينها لم ينتظروا وصول أجهزة GPS لتحديد الأماكن فقد كانوا يرصدون حركة الشمس والقمر والكواكب الخمسة لمعرفة الطرق ،
وابتكروا آلات مائية عظيمة قادرة على ترويض الطبيعة لتحول الصحراء إلى واحات ،
واستطاع المهندسون المسلمون صنع عدة أجهزة أصبحت نواة العديد من الأجهزة الحالية التي يفتخر بها عصر الحداثة.
كان أبو البديع إبن الرزاز الجزري (السوري) واحدا من بين مئات العلماء المسلمين الذين رسموا بأفكارهم ،
وإبتكاراتهم العظيمة ملامح تلك الفترة الذهبية في التاريخ البشري ، فقد كان أول مهندس غير مفهوم الهندسة ،
وذلك عبر إستخدامه الدولاب المسنن ، وذراع التدوير والمكبس ، وعمود التدوير ، وهذا ما مهد الطريق لنظام الهندسة الحديث.
إنه المهندس المسلم إبن الجزيرة السورية ، الذي صنع أول روبوت في التاريخ ،
وساهم في تطور علم الميكانيك بالصورة التي نعيشها اليوم.
موهبة الجزري في البحث والإختراع طفت على السطح مبكرا ، الأمر الذي جعله يحظى برعاية حكام ديار بكر من بني أرتق ،
فدخل في خدمة ملوكهم لمدة 25 سنة ، وذلك إبتداءً من سنة 1174 ، فأصبح كبير مهندسي الميكانيك ،
في قصر حكام ديار بكر بعد وفاة أبيه ، كما توطدت صلة الجزري بحكام ديار بكر ،
خصوصا السلطان نور الدين محمد بن قرا أرسلان الذي كان مقربا منه وداعما له في إبتكاراته.
إقرأ أيضا: خبراء علم النفس يقولون أن أول حرف يكشف أهم سر في شخصيتك
وفي ظل الجو الداعم للإبتكار الذي وفره حكام بني أرتق ، أطلق الجزري العنان لإختراعاته المدهشة ، التي كانت آنذاك الأولى في العالم كله.
فقد ورد على لسان المؤرخ البريطاني (دونالد هيل) في مقدمة ترجمته لكتاب الجزري أنّه صنع ساعات مائية ،
وساعات تتحرك بفتائل القناديل ، وآلات قياس ، ونوافير ، وآلات موسيقية ، وأخرى لرفع المياه ،
كما صنع إبريقا جعل غطاءه على شكل طير يصفر عند إستعماله لفترة قصيرة قبل أن ينزل الماء.
وبالإضافة إلى إنجازاته كمخترع ومهندس ، يبدو أن الجزري كان فنانا ورساما بارعا ،
وهذا ما توحي به مخطوطاته التي ما زالت باقية إلى الآن.
فاللوحات الفنية التي يحملها كتابه المعروف اختصارا بالحيل ،
تعبر بشكلٍ دقيق وبديع عن جميع الإختراعات التي دونها الجزري في كتابه بشكل رسومات فنيّة بما يعرف بالفن الإسلامي في القرون الوسطى.
وطيلة 25 سنة من البحث والإختراع ، أنهى الجزري سنة 1206 جمع معظم إختراعاته وابتكاراته الهندسية قبل أن يداهمه الموت في كتاب سماه :
الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل.
وهو الكتاب الذي لا يزال إلى اليوم مرجعا مهما من مراجع الهندسة الميكانيكية.
لا شك أن إبتكارات وكتب الجزري كانت أحد أسس النهضة العلمية في الحضارة الإسلامية في العصور الوسطى ،
والتي إنتقلت فيما بعد إلى أوروبا ، فمع بداية عصر النهضة في أوروبا في القرن السادس عشر ،
كان كتاب الحيل للجزري من طلائع الكتب التي تم طبعها في مطبعة عائلة مديشي بإيطاليا ،
والتي كانت تعنى بطبع كتب العلماء المسلمين.
وفي كتابه موسوعة العباقرة المسلمون يشير المؤرخ محمد فرشوخ إلى أن كتاب الجزري ظهر بشكل بارز في كتب الأوروبيين ،
وإن لم يترجم الكتاب كليا في القرون الوسطى.
وقد نشر المؤرخ الألماني فيدبمان هاوس الفئات الست التي يتضمنها كتاب الجزري في سبع مقالات في عدة مجالات ،
إقرأ أيضا: القصيدة العينية للإمام السهيلي أبو القاسم
كما أنّ (كوما راسوامي) نشر معلومات مهمة عن الجزري مع رسومات نزعها من كتاب الحيل ،
وتحدث كل من (سارتون) و (الدولميلي) و (كارادي فو) و (نيدهام) و (هوايت)
عن الجزري في أبحاثهم عن الميكانيك كواحد من أهم علماء المسلمين في هذا المجال.
فالمؤرخ والمهندس البريطاني دونالد هيل إعتبر أن كتاب الجزري وثيقة لم تقدم الحضارة البشرية مثيلا لها حتى وقت قريب ،
ويقول في مقدمة ترجمته لكتاب الجزري للإنجليزية بأنّ الناعورة الساقية ،
إختراع شرقي يجمع الباحثون على أن العرب كانوا من الشعوب السباقة لاستخدام طاقة الماء سواء في رفعه أو في تشغيل المعاصر.
كما يذكر المؤرخ الأمريكي (لين وايت) في كتابه تاريخ تكنولوجيا العصور الوسطى أن الكثير من تصاميم الآلات التي إبتكرها الجزري قد نُقلت إلى أوروبا ،
ومن ذلك إختراع «التروس» التي ظهرت لأول مرة في كتاب الجزري ،
ولم تظهر في أوروبا إلا بعد الجزري بقرنين في ساعة (جيوفاني دوندي) الفلكية.
كما يعتبر كتاب الحيل الهندسية للجزري ، من أوائل الدلائل الموثقة لاستخدام ذراع الكرنك وعمود التدوير في آلات نقل الماء.
فقد استخدم الجزري عمودين متعاكسين لاحتجاز الماء ، يضغطه المكبس ، ومن ثم يدفعه إلى الأعلى ،
ولقد سبقت هذه الطريقة إختراع المحرك البخاري في أوروبا من طرف (جيمس واط).
ساهم إستخدام الجزري عمود التدوير في إدخال تطويراتٍ كبيرة في الهندسة الحديثة ،
خاصة في تطوير المحرك البخاري والمحرك ذي الإحتراق الداخلي المستعمل في السيارات اليوم ،
حيث كان عمود التدوير وذراع الكرنك أهم الأجزاء التي أنجحت اختراعهما.
وتُرجم كتاب الجزري إلى عدة لغات ، وتعرض اليوم نسخ عديدة منه في متاحف شهيرة حول العالم ،
أبرزها متحف الفنون الجميلة في بوسطن ، ومتحف اللوفر في فرنسا ، ومكتبة جامعة أوكسفورد ، ومكتبة إسطنبول.