قصص منوعة

على إحدى مقاعد الإنتظار خارج قاعة المحكمة

على إحدى مقاعد الإنتظار خارج قاعة المحكمة كان يجلس بهدوء عكس الضجيج الذي يدور بداخله ،

عيناه الصغيرتان تراقبان الباب الذي عندما يفتح بعد برهة من الزمن سيضطر بعدها لاختيار الطريقة المثلى لنحره ،

إما سيختار والدته حتى ينعم بحضن دافئ قبل النوم ، ووجبة لذيذة عند عودته من المدرسة التي سيواجه فيها ألسنة زملائه بأنه الطفل المثير للشفقة الذي خسر والده ،

سيضطر لابتلاع دموعه قبل الدخول للمنزل كي لا يكسر قلب والدته ،

أو سيختار والده لينال فرصة لعب كرة القدم مساء كل خميس ، سيرتاد الملاعب التي يهفو لزيارتها ،

لكن لن يكون هناك ذراعين تحميانه من عقابه إذا ما ارتكب الأخطاء ، لكن السؤال الأهم هل سيحصل أصلا على أي من ذلك؟!

أم سيتم رميه في زاوية مهملة من حياتهما ، ويُدرج اسمه في آخر صفحة من الأولويات.

قاطع حربه الداخلية صوت أحدهم ينادي باسمه حتى يساق لتلك الحرب التي لم يختر أن يكون جنديا فيها ،

لكن تلك الدماء التي تجري في عروقه والحليب الذي تجرعه رضيعا يجبرانه على ذلك ،

دلف للقاعة يطالع كل الإتجاهات إلا هما ، وقف مقابل القاضي الذي لمس في نظراته شيئا من الشفقة على حاله ،

صمت ينتظر ذلك السؤال برغبة عارمة في تأخره ، جفف عبرة غادرت مآقيه بكم قميصه الذي نسيت والدته في خضم حربها مع والده ترقيعه ،

ونسي الأخير شراء آخر يشبهه لانشغاله في نفس الحرب ، ثم هتف بصوت خنقته العبرات :

تعلمنا في المدرسة أن القاضي أقسم أن يحكم بالعدل ، لذلك ساعدني في الإختيار واحكم بالعدل ،

أنا طفل لم أبلغ العاشرة بعد لكن علي أن أتخذ قرارات كالكبار ،

إما أمي التي تقول دوما أنها حملتني لتسع أشهر وأرضعتني من حليبها حتى أنمو ،

قالت لي أنها كانت تسهر بجانبي عندما أُصاب بالحمى ، وهي من تتقن تحضير الحلوى التي أحبها ،

أو أبي الذي يتعب في عمله حتى يحضر لي ما أتمناه من ملابس وألعاب أفتخر بها أمام أصدقائي ،

إقرأ أيضا: رن هاتفي فإذا بي أسمع صوت بكاء أم صديقتي

هذا ما يظن كل منهما أنه يقدمه لي ، إذا ذهبت مع أمي فمن سيحميني من المخاطر ، من سيعلمني كيف أدافع عن نفسي؟!

وإذا ذهبت مع أبي من سيدثرني ليلا عندما أبرد ، أيها القاضي الطيب لما لا تحكم عليهما بالبقاء سويا لأجلي؟!

لكن وقتها سيتعاركان كل يوم وسيرمي كل منهما في وجه الآخر عيوبه.

1 3 4 10 1 3 4 10

إذا أيها القاضي الطيب أحكم على الناس بأن لا ينجبوا الأطفال إذا كانوا سينفصلون في النهاية ،

لا أريد أن يجلس طفل آخر على مقعد الإنتظار ، الجلوس هناك مؤلم والإنتظار أشد ألما.

أيها القاضي الطيب لم تخبرني من علي أن أختار ، وهل إذا اخترت أحدهما سيحبني أم سيرمي بي في زوايا الإهمال؟!

هل يريدون أخذي حبًّا لي أم ليؤلما بعضهما فقط؟! أيها القاضي الطيب ساعدني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?