فتى مكة المدلل وأجمل فتيانها
فتى مكة المدلل وأجمل فتيانها
الصحابي الذي كانت أمه أقسى وأعنف أم عرفتها العرب حبسته في غرفة ضيقة لمدة ثلاث سنوات وكانت تجره في الأسواق كالبهائم وتضربه ضربا مبرحاً بالسوط ،
هو أحد أعلام الأمة ومن أوائل الذين أسلموا.
هذه سيرة عَلَمٍ من أعلام هذه الأمَّة ، وبطل مِن أبطالها ، صحابيٍّ جليل مِن أصحاب النبي ،
هذا الصحابي كان من السابقين إلى الإسلام ممن شهد بدرًا وأُحد ، وكان حامل اللواء فيها وممن هاجر الهجرتين الأولى إلى الحبشة ،
والثانية إلى المدينة ، أسلم على يديه الآلاف ، وكان أوَّل سفير في الإسلام.
نعم أول سفير في الإسلام ، ولعلك عرفت من هو بطل قصتنا اليوم ، إنه الصحابي الجليل مصعب بن عمير رضي الله عنه ،
سفير الإسلام والفارس القويّ وأجمل فتيان قريش ، وقصة مصعب ليست كأي قصة ،
فحياته تحولت في يوم وليلة من مدلل قريش الأول إلى مُعنف قريش الأول.
مصعب بن عمير شابًا منحه الله جمالًا ونجابه تألق بهما وسط فتيان قريش ، فقد كان رسول الله وسلم يقول عنه :
ما رأيت بمكة أحسن لمة ولا أنعم نعمة من مصعب بن عمير ،
فقد كان يلبس أفضل الثياب ، ويتعطر بأجمل العطور ، فيعرف بأعطر وأجمل أهل مكة.
كانت أمه تدعى الخناس بنت مالك وهي من أغنى نساء قريش فكانت تهتم بإبنها أشد إهتمام ،
وتلبسه أغلى الملابس وكانت مثالًا يحتذى به للأم المثالية ولطالما حسدوا الناس مصعب على هذه الأم التي ترعاه وتهتم به إهتمام عظيم ،
إقرأ أيضا: قصة الرجال بن عنفوة وسوء الخاتمة
لكن هذا الإهتمام والرقة تحولت بالكامل إلى اضطهاد وعنف في يوم وليلة.
إسلامه
لما بلَغ مصعبَ بن عمير أن رسول الله صل الله عليه وسلم يدعو إلى الإسلام في دار الأرقم بن أبي الأرقم ،
دخل عليه فأسلم وصدَّق به ، وخرج فكتم إسلامه خوفًا من خسارة ثقة أمِّه وقومه ،
وكان يأتي إلى رسول الله سرًّا وقد أسلم في الثلاث سنوات الأولى من الدعوى.
واستمر مصعب على هذا الحال حتى رآه أحد المقربين من أمه وهو يذهب إلى رسول الله ويجالسه فأوشى به عندها وهنا تحول الدلال إلى عذاب ،
فحبسوه في منزلهم في غرفة ضيقة وكانوا يطعموه الطعام الذي يكفيه فقط للعيش ،
ويأتون إليه كل يوم ويحاولون فيه أن يرجع إلى دينهم ويترك دين النبيّ صل الله عليه وسلم ، لكن مصعب لم يسمع لهم.
تطور الأمر من الحبس إلى الضرب مرارًا وتكرارًا وبشكل شبه يومي وكانت أمه تدخل عليه الخدم فيضربوه بشدة ،
حتى يسيل الدم من كل موضع بجسده فيتركوه ليتعافى ثم تعيدهم مرة أخرى فيضربوه وهكذا إستمر الوضع ،
وما زال مصعب بن عمير صامد وأفشل كل محاولاتهم لصده عن دينه.
رأت أمه أنه لا جدوى من حبسه وضربه فأرادت أن يراه الناس يضرب ويهان حتى يتأثر ويكون عبرة لكل من يفكر بالدخول في الإسلام.
فأمرت خدمها أن يأخذوه إلى الأسواق وأن يسحبوه كما تسحب الخراف المذبوحة ،
وأن يتم جلده أمام أنظار الناس وأمام أنظار أصدقائه من المشركين والمسلمين.
واستمر هذا الوضع لمدة ثلاث سنوات حتى عُرفت أمه بين الناس أنها أشد أم في قريش وأقساهم ،
حتى حانت الفرصة المتتظرة لمصعب في يومٍ من الأيام فاستطاع الهرب من الحبس والذهاب لرسول الله ،
الذي أمر الصحابة بالهجرة للحبشة فأدركهم مصعب بن عمير وكان على رأس الذين هاجروا للحبشة.
بعدها بفترة عاد لمكة وتجنب لقاء أمه ، ثم عاد مرة أخرى للحبشة للمره الثانية ،
ولما علم مصعب أن رسول الله بايع الأنصار رجع إلى مكة سريعًا لكن هذه المرة أدركته أمه وكانت له بالمرصاد ،
إقرأ أيضا: دفين الملائكة
وأرادت إعادة تلك الأيام الصعبة مرة أخرى لكنه قال لها ، والله إن فعلتي ذلك لأقتل كل من تستعيني به لحبسي .
فرأت أمه مدى عزمه وإصراره فعرفت أنه لا جدوى من حبسه فقررت إطلاق سراحه وقالت له إذهب ما أنا بأمك ،
وقبل أن يرحل وقف على رأسها وقبل يديها وقال لها : يا أماه إني لك ناصح وعليك شفوق ،
فاشهدي أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله ،
فقالت بكل كبر قسمًا بالثواقب لا أدخل في دينك.
فرحل مصعب بن عمير عن أمه وفارقها وقلبه يتقطع عليها على الرغم من صنيعها به ،
وكتب الأنصار لرسول الله أن الإسلام بدأ بالإنتشار في المدينة أفلا تبعث فينا رجلٌ يعلمنا ويفقهنا بالدين ؟
فوقع إختياره صل الله عليه وسلم إلى مصعب بن عمير فكان أول سفير بالإسلام.
وأسلم على يد مصعب بن عمير كبار الصحابة مثل :
سعد بن معاذ وسعد بن عباده وأسعد بن زراره وغيرهم من الصحابة الكبار رضوان الله عليهم ،
ثم أسلم على يده الألاف والألاف وكان لديه قبول رهيب وفقه عظيم بالدين فلا يلقاه أحدًا إلا وأسلم على يديه مهما كان متعصباً لدينه.
يقول الزهري :
مصعب بن عمير الوحيد الذي أتيح له
هو أن يسلم على يده هذا العدد من الأنصار ،
حتى كادت المدينة كلها تدين بإسلامها لمصعب بن عمير ، وهو أول من صلى بالناس بالمدينة الجمعة.
وفاته
توفي رضي الله عنه في معركة أحد وكان هو حامل اللواء فقطعت يده اليمنى فمسك اللواء بيده اليسرى فقطعت اليسرى ،
فاحتضن اللواء حتى طُعن بصدره ومات حامل اللواء رضي الله عنه وأرضاه ،
وبكى النبيّ وحزن حزنًا شديدًا عليه رضي الله عنه وأرضاه.