فصل في الوسيلة والتوسل
فصل في الوسيلة والتوسل واضطراب الناس
بسبب ما وقع من اللفظين من الإجمال والإشتراك.
إذا عرف هذا فقد تبين أن لفظ الوسيلة والتوسل فيه إجمال واشتباه يجب أن تعرف معانيه ، ويعطي كل ذي حق حقه.
فيعرف ما ورد به الكتاب والسنة من ذلك ومعناه.
وما كان يتكلم به الصحابة ويفعلونه ومعنى ذلك.
ويعرف ما أحدثه المحدثون في هذا اللفظ ومعناه.
فإن كثيرا من اضطراب الناس في هذا الباب هو بسبب ما وقع من الإجمال والإشتراك في الألفاظ ومعانيها ،
حتى تجد أكثرهم لا يعرف في هذا الباب فصل الخطاب.
فلفظ الوسيلة مذكور في القرآن في قوله تعالى
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}
وفي قوله تعالى : {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا}
{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}
فالوسيلة التي أمر الله أن تبتغى إليه وأخبر عن ملائكته وأنبيائه أنهم يبتغونها إليه هي ما يتقرب إليه من الواجبات والمستحبات.
فهذه الوسيلة التي أمر الله المؤمنين بابتغائها تتناول كل واجب ومستحب ،
وما ليس بواجب ولا مستحب لا يدخل في ذلك سواء كان محرما أو مكروها أو مباحا.
فالواجب والمستحب هو ما شرعه الرسول فأمر به أمر إيجاب أو استحباب ، وأصل ذلك الإيمان بما جاء به الرسول.
إقرأ أيضا: التحذير من بدع عاشوراء
فجماع الوسيلة التي أمر الله الخلق بابتغائها هو التوسل إليه باتباع ما جاء به الرسول لا وسيلة لأحد إلى الله إلا ذلك.
والثاني لفظ الوسيلة في الأحاديث الصحيحة
كقوله صل الله عليه وسلم :
سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجوا أن أكون أنا ذلك العبد.
فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة.
وقوله من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة
آت محمدا الوسيلة والفضيلة ،
وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد حلت له الشفاعة.
فهذه الوسيلة للنبي صل الله عليه وسلم خاصة.
وقد أمرنا أن نسأل الله له هذه الوسيلة وأخبر أنها لا تكون إلا لعبد من عباد الله وهو يرجوا أن يكون ذلك العبد
وهذه الوسيلة أمرنا أن نسألها للرسول وأخبر أن من سأل له هذه الوسيلة فقد حلت عليه الشفاعة يوم القيامة ،
لأن الجزاء من جنس العمل فلما دعوا للنبي صل الله عليه وسلم استحقوا أن يدعو هو لهم ،
فإن الشفاعة نوع من الدعاء كما قال : إنه من صلى عليه مرة صلى الله عليه بها عشرا.
مجموع_الفتاوى بن تيمية.