فقدت حبيبتي
فتحت عيناي لأرى عائلتي من حولي . بمجرد ما رأيت يدي مربطة بأنبوب السيروم أدركت أنني في المستشفى .
حاولت تحريك جسدي إلا أنني لم أستطتع. سألتهم ماذا حدث لي ، كان الجميع يبكي .
تقدمت أختي لتخبرني أنني أُصبت بشلل وتأذى نخاعي الشوكي . بكيت بحرقة إلى أن أغمي علي.
استيقضت بعد ذلك لأجدني مجددا في المستشفى ولكن هذه المرة وحدي حدقت كثيرا في السقف .
فكرت في مستقبلي وكيف سأنهي آخر سنة لي في الجامعة . فكرت كيف ستكون حياتي مستقبلا .
عيناي تفيض دمعا ، عقلي مشوش ولا أجد حلا لكثير من الأسئلة. دخلت عليّ أمي ومن ثمّ أبي كانا ينظران إليّ نظرة حزن .
للحظة فكرت مدى العناء الذي سألحقه بأمي وأبي.” أصبحت ابنتك معاقة يا أمي ” .
بكيت بحرقة كما بكت أمي أيضا ولم تستطع قول أي شيء ربما تكون في صدمة فلا هي تستطع مواساتي ولا أنا استطعت مواساة نفسي.
أما أبي فقد خرج ولم يتحمل رؤية المنظر ، مسحت أمي بيديها عيناي محاولة أن تهدئني. بصعوبة استطعت توقيف دموعي التي ذرفتها.
أوقفتها فقط من أجل أمي محاولة أن أبتسم ابتسامة مزيفة .
طلبت هاتفي فأحضرته لي أمي وما أن دخلت سجل المكالمات حتى أجد الكثير قد اتصلوا ليسألوا عني
وقد أخبرتني أختي التي اتت منذ قليل أنها ردت على بعض منها .
فتحت حسابي على الفيسبوك فوجدت الكثير من الرسائل وقد كانت جلها من طلبة الماستر بعد أن عرف الجميع بما حدث لي .
شعرت بالحزن الشديد لأن أولئك الطلبة عائلتي الثانية يسألون عني لكنني لم أستطع الرد عن ذلك الكم الهائل من الرسائل
إقرأ أيضا: بعد أربع سنوات من الزواج بدأ الناس يتكلمون في زواجهم
فأسرعت بغلق الحساب بعد أن وضعت منشورا أقول فيه” حالتي النفسية مضطربة تماما كما هي حالتي الجسدية ، أنا لست بخير ولا أريد التحدث مع أي أحد ، اعذروني.”
وبعد أن رأيت التاريخ على الهاتف وقد كان 20/8/2021 أدركت أنني هنا بالمستشفى منذ 5 أيام .
ولوهلة تذكرته وسألت أختي” وماذا عن … .” كنت أقصد ذلك القريب البعيد أعني خطيبي فلاطالما كانت علاقتنا متوترة بسبب لا شيء.
تسكت أختي قليلا وانا أعرف أنها فهمت من أقصد ثم تجيبني ” منذ أن سمع الخبر أتى ليراك وقد كنتي في غيبوبة ولكنه يتصل بأبي كل يوم ليعرف أخبار صحتك.
لم أشعر أنه يجب علي أن أكلمه أو حتى التحدث إليه لا أعرف لماذا.
يأتي أخي ليخبرني أنني سأخرج الليلة من المستشفى.
لست سعيدة بخبر خروجي فجل ما كنت أفكر به هو أنني أصبحت عبئا على أمي.
فبعد فقداني لغاليتيّ كيف ستتحمل المسكينة كل هذا العناء . وتمنيت للحظة لو أخذ الله روحي ذلك اليوم.
ها أنا الآن في البيت وعلى كرسي متحرك وجميع أقاربي وجيراني حولي .
أراد الكثير مواساتي لكنني لم أستطع تقبل الأمر وسرعان ما تقلب مزاجي حتى طلبت مني أختي أن تأخذني الى الغرفة لأرتاح قليلا.
وجدتني وحدي في الغرفة و لم أستطع التفكير من جديد يا الهي دلني على الطريق.
طلبت أن أبقى لوحدي تلك الليلة وقررت الاختلاء فيها بنفسي .
تذكرت أنني كلما سقطت قرأت رواية أنا قبل كل شيء لورد تلك الفتاة التي لم تفقد الأمل رغم فقدانها لبصرها.
قرأتها مجددا ولم تأخذ مني سوى ساعة ونصف نظرا لقصرها.
وبعد أن أنهيتها أدركت نعم الله علي وأنه رغم فقداني حبيبتيَّ رجليّ إلا أن الله أبقى بي حية ،
شكرت الله الذي أبقى لي عينيّ وعقلي ولساني وأن منّ عليّ بأكبر نعمة وهما أبوّي.
إقرأ أيضا: كيف تكون شخصية جذابة لدى الآخرين؟
استغثت الحي القيوم أن يصلح لي شأني كله وأن لا يكلني إلى نفسي طرفة عين ودعوت أن يعيد إلي صحتي فقط من أجل الغالية أمي كي لا تشقى.
غدا هو 18 عشر من سبتمبر ، انتهت عطلة الصيف وها قد أتت الدراسة مجددا.
أحاول لمّ شمل نفسي لأعيدني من جديد كما كنت في السابق ، يا الله زدنِ قوة ثقة بنفسي .
قررت كتابة رسالة لذلك الحاضر الغائب الذي لم يسأل عني ولم يتصل بي يوما بعد خروجي من المستشفى.
” أيها الحاضر القريب من قلبي، أيها الغائب البعيد عن عينيّ ، انتهى كل شيء ، كن بخير والسلام.”
كانت تلك خطوة كبيرة خطوتها في حياتي فالكَمّ الكبير الذي أردت أن أبني به علاقتنا هو نفسه الكم الهائل الذي أريد الآن أن أنهيها به
فلم يعد شيء يستدعي أن أكمل علاقتي به خاصة وأنا على كرسي متحرك.
في صباح اليوم التالي ركبت السيارة مع أبي وأختي لأحضر أول يوم في الجامعة.
أصبحت قوية بما فيه الكفاية وصرت مستعدة لخوض المعارك وحدي فقد جعلت شعاري أن نفسي قبل كل شيء.
وأخيرا وصلت الى الجامعة
كان الجميع يحدق بي وانا على الكرسي المتحرك .
تقدم الي أصدقائي المقربون وذهبت رفقتهم الى الصف كان اليوم الأول جميلا وممتلأ بالحماس سجلت كل المناهج واصبحت متشوقة للبدأ في تحضير الدروس .
وفي صباح اليوم التالي قابلت أستاذي المفضل الذي لاطالما أعجبت بطريقة تدريسه والذي جعلني أحب مقياس الصوتيات.
سألني عن حالي وكيف تغيرت أحوالي . بدأت بسرد الحادثة.
صعدت فوق سطح المنزل وكنت أجلس على الحافة أنظر الى السماء وقد أعجبت بالغيوم البيضاء .
إقرأ أيضا: قصة رائعة عن ترويض النفس
وبينما أنا على هذه الحال سمعت صوت أمي تناديني وعندما وقفت لا أعلم كيف تلعثمت ثم سقطت لينكسر ظهري ويتأذى العمود الفقري فتفقد رجليَّ الحركة .
رد علي الاستاذ أنه آسف لسماع هذا وقائلا لي :” لا شيء يمنعنك من تحقيق أحلامك فقط استمري.”
There is nothing that is stopping you from your dreams . keep going
جعلني كلامه أسعد وأطمح أكثر
درست بجد وكتبت مذكرتي تحت اشرافه والحمد لله كنت الأولى في دفعتي . وها أنا أنجح مجددا في الدكتوراه.
كما شاركت في عدة برامج كمتحدثة تحفيزية وقد كانت من أكبر وأهم أهدافي.
الحمد لله بدأت أحلامي تتحقق
وأخيرا قررت مجددا زيارة الطبيب ليخبرني أن نسبة شفائي بالعلاج 10٪ وهي ضئيلة جدا بالنسبة للأطباء ولكنها كانت كفيلة لإسعادي
وزيادة ثقتي بنفسي وأن تلك النسبة ربما ستشفيني بإذن الله.
بعد أن زرت الطبيب ذهبت ووالدي الى البيت وأنا أكرر في نفسي بسعادة الغد أفضل بإذن الله ، الغد أفضل بإذن الله.
يرن منبه هاتفي على 4:00 صباحا لصلاة الفجر لأستيقض وأجدني كنت أحلم وقمت بتحريك قدماي لأتأكد أنهم بخير وأنه مجرد حلم حمدت الله وقمت لأصلي الفجر.
