فن المسافة

فن المسافة

يقال أن أسدا لقي خنزيراً ، فقال له الخنزير: قاتلني.

فقال الأسد: إنّما أنتَ خنزير ولستَ بكفؤٍ لي ، ولا نظير ، ومتى فعلتُ الذي تدعوني إليه وقتلتك ،

قيل قتل الأسدُ خنزيراً وليس هذا محطّ فخر ، وإن نالني منكَ شيءٌ كان ذلك سُبّةً عليَّ.

فقال له الخنزير: إن أنتَ لم تفعل ،
رجعتُ إلى السّباع وأعلمتهم أنّك جبُنتَ عن قتالي.

فقال الأسد: إحتمالي كذبكَ أيسر عليّ من تلطيخ شاربي بدمكَ.

الدّرس الأوّل
ترفّعْ ، إذا كان الإنسان يُعرف بأصدقائه ، فإنّه أيضاً يُعرف بأعدائه.

البعض لا يستحقّون شرف أن تعاديهم ، حتى من تفاهتهم إن غلبتهم ، لن تجد حلاوة النّصر ، وإن غلبوك فستكون مرارة الهزيمة مضاعفة ،

هناك معارك يبقى النّصرُ فيها باهتاً مهما كان ساحقاً ، نظراً لتواضع الخصم في تلك المعركة.

ليس نصراً أن يهزم السّيف عصاً ،
وليس نصراً أن يسبق عداءٌ مشلولاً ،

هناك معارك الطريقة الوحيدة لكسبها هي عدم خوضها منذ البداية ، وأيّ نصرٍ فيها ليس إلا هزيمة ترتدي زيّ النّصر.

الدّرس الثّاني
عندما تُنازل خسيساً بأسلوبه ، تتساوى معه ، فلا تسمح لأحدٍ أن يُنزلك لمستواه ،

وإن كان لا بُدّ من خوض ذلك النّزال ، فلا تدعه يختار لكَ سلاحك ، الغايات لا تُبرر الوسائل ،

والغايات النبيلة لا تبقى كذلك إذا سعينا لها بوسائل خسيسة ، نقاء السّلاح ضروريّ لنقاء النّصر ،

فالنّصرُ المُلوّث هزيمة أخرى مهما حاولنا أن نقنع أنفسنا بالعكس.

إقرأ أيضا: مفاتيح جميلة

الدّرس الثالث
في الوفاق لا يمكن معرفة النبلاء ، النبلاء يظهرون في الخصومات ، النّاسُ إذا أحبّوا لانوا ، وإذا أُعطوا رضوا ،

فإذا خاصمتَ أحداً ولم يتنازل عن نبله ، فأصلحْ ما بينك وبينه على الفور ، هؤلاء عملة نادرة قلّ التداول بها فلا تضيّعها.

الدرس الرابع
هناك فرق بين التّرفع والتّكبر ، التّكبر أن ترى أنّك أفضل من الآخرين ، لأنك أكثر علماً أو مالاً أو جمالاً ،

أما التّرفع فهو أن ترى أنّ الخصومة ليست إلا صفحة في كتاب قرأتها ، وأخذتَ منها درسا ،
وطويتها ،

ولا داعي أن ترجع إليها مرّةً أخرى ، فترفع ولا تتكبر.

الدّرس الخامس
البطولة الحقيقية تجنّب الخصومات ، لا خوضها ، تعامل مع النّاس كما ينصحُ خبراء القيادة ،

اتركْ مسافة أمانٍ بينك وبين السّيارات الأخرى ، مسافة الأمان هذه هي التي تمنع الحوادث ،

لتصبح حياتك أجمل عليكَ أن تتقن فنّ المسافات ، المسافة هي التي حمت الأرض من الإحتراق بالشّمس ،

لو اقتربتْ أكثر لاحترقتْ ، ولو ابتعدتْ أكثر لتجمّدتْ ، والمسافة هي التي جعلتْ القمر يدور في فلكها ، فلو اقتربَ أكثر لجذبته ،

هندسة المسافة الدقيقة هي التي أنتجتْ كوناً رائعاً ، فكن مهندس مسافة ، واحسبْ خطواتك بدقّة ،

لا تبتعد أكثر مما يجب ، ولا تقترب أكثر مما يجب ، فعندما تبتعد أكثر مما يجب ، سيصبح الإقتراب صعباً حين تحتاجه ،

وعندما تقترب أكثر مما يجب سيصبح الإبتعاد صعباً حين يُفرض عليك.

Exit mobile version