قصص منوعة

في الثامنة والعشرين من عمري وقبيل زفافي بأيام

في الثامنة والعشرين من عمري وقبيل زفافي بأيام فُسخت خطبتي وتم إلغاء وتجاهل كافة الاستعدادات التي سهرنا على تجهيزها لأيام،

لسبب أو لآخر انتزعت مني بهجتي وألغي زفافي ونظرات الآخرين باتت تلاحقني كرصاص يستقر في قلبي،

الجميع عيونهم متشككة وشفاههم متأهبة للتساؤل عما حدث.

بعد عامين من هذا الحدث تقدم لخطبتي “وليد”، لسبب ما هو الآخر ترك مخطوبته قبل زفافهما بأيام،

تمت تجهيزات العرس بسرعة متناهية وها أنا أجلس إلى جانبه في حفل زواجنا، بعد دقائق من الآن سأكون في بيته.

بعد دقائق من الآن سأصبج فتاة متزوجة عاقلة رزينة لها مكانتها في المجتمع، يُسمع رأيها ويُحترم كلامها، لا تلاحقها نظرات أحد،

ولا يجرؤ على اتهامها بالعانس أحد، لعنة الله على التقاليد التي تسلب الفتاة تقديرها واحترامها مهما كانت إنجازاتها لمجرد أنها لم تتزوج.

ويكأن الزواج هو صك الأمان والاعتراف لها بكامل حقوقها الآدمية، ومُستَند عتقها من العبودية إلى الحرية.

قبيل إنتهاء الحفل بدقائق جاءت إليّ فتاة تغطي وجهها بوشاح أرجواني أغلب الظن أنها تحاول إخفاء ملامحها به،

ثم قالت بنبرة مرتعشة: إنني أحمل في أحشائي طفلًا أبوه زوجك الجالس بجانبكِ الآن ،

إنني مخطوبته الأولى لا أدري لم أدار ظهره إلي بمجرد علمه بحملي منه أرجوكِ ساعديني!

قلت لها بصوت مبحوح لا يكاد أن يغادر شفتي من هول الصدمة امنحيني رقم هاتفك وأنا لا أدري ما الذي سأفعله به،

شددتُ على يدها بقوة وقلت لها اطمئني

انتهى الحفل الذي لم ألحظ منه شيئا مذ أن حدثتني الفتاة، عدنا لشقتنا أنا وهو،

إقرأ أيضا: يقول علم النفس في الفراق

” وليد” الذي خدعني وتبرأ من ابنه دون مبرر أو سبب واضح!

وبدون مقدمات سألته لمَ تركت خطيبتك رغم أنها تحمل في أحشائها طفلًا منك؟!

كان السؤال مباغتًا، لم ينجح في إخفاء توتره، تلعثم ثم وقف ثم جلس مرة أخرى ثم قال أخيرًا:

إنني لا أرتضيها زوجة لي بعد ما حدث بيننا، وكأنه يعاقب الفتاة لا لشيء سوى أنها وثقت به!

بعد زواجي بشهر ونصف كنت أجلس أمام المأذون الشرعي أوقع ورقة طلاقي من وليد الذي عقد قرانه على مخطوبته الأولى بمجرد طلاقي منه،

بعد إلحاح مني ومحاولة تصليح العلاقة البائسة بين الطرفين، قبلتني الفتاة واحتضنتني بقوة ثم همست ودموع تكاد تطفر من عينها لن أنسى صنيعك هذا ما حييت، ستركِ الله في الدنيا والآخرة.

1 3 4 10 1 3 4 10

وعدت مجددًا لحياة لا أرتضيها ولـ لقب لا أتحمل توابعه “مطلقة”، الجميع يحتقرها،

وكلهن يخشين على أزواجهن منها، الكل يتساءل تُرى لمَ طلقها زوجها بعد الزواج سريعًا هكذا، الجميع ألسنتهم حادة،

وعيونهم غادرة وكلماتهم مسامير ترشق في جسدي الضعيف، في كل مرة حاولت أن أبرر موقفي كنت أتراجع في اللحظة الأخيرة،

كنت أخبر نفسي أنني تفانيت من أجل ستر فتاة ضعيفة وتحملت مالا يمكن تحمله فقط من أجل أن أشعر أني فعلتُ شيئًا ذا قيمة

وأن حياتي لم تذهب سدى، لابد أن الله سيكافؤني على ما فعلت يوما ما.

لكن متى؟ لقد انقضى على طلاقي منه خمس سنوات، لقد أتمت الصغيرة التي ضحيت بزواجي من أجلها أكثر من أربعة أعوام،

أنا الآن فتاة في الخامسة والثلاثين من عمرها مطلقة رغم أنه لم يمسها رجل قط، حتى “وليد”!

بعد أيام انهار المبنى الذي كنا نقطن به، الضحايا كُثر ما بين مصاب وجريح وقتيل،
الحادث جلل،

إقرأ أيضا: ليالي الزفاف حلم الفتيات المراهقات

لقد توفيت أمي على إثره آخر من تبقى لي من العائلة،

أما أنا فـ الانهيار كان سببًا في بتر ساقي وفقدان بصري، لقد اسودت الدنيا في عيني،

لا أدري من سيعولني بل من حتى سيدفع تكاليف المشفى.

لم تمض دقائق من التفكير المميت حتى انبعث من جانبي صوت إحداهن تقول بصوت هادىء:

حمدًا لله على سلامتك لقد أخبروني بالخارج أنكِ أخيرًا استفقت من غيبوبتك.

لم أنجح في تمييز الصوت لكنها سىرعان ما هتفت ألا تذكرينني أنني أنا الفتاة التي تشكر صنيعك وتحمل جميلك في قلبها إلى أن تموت،

لقد جاء وليد هو الآخر ليطمئن عليك، لا تقلقي سنتحمل نحن مصاريف المشفى ومن الآن لا بيت لكِ سوى بيتنا

وإننا من الآن كلَ أهلكِ إن لم تخذلينا وقبلتِ ذلك!

انقضى عامان على هذا اللقاء ثم ها أنا أرى الصغيرة ” ليلى” للمرة الأولى بعد جراحةً كُتب لها النجاح،

إنها تناديني بـ ماما ولا تنام إلا بين ذراعيَّ، لقد نجح وليد بالأمس في اقتراض مبلغ من المال

يقول أنه سيشتري لي به طرفًا صناعيًا، إن زوجته تعتني بي كما لو كانت أختي.

إنها تردد دائما أنني آنست وحدتها بعدما أنقذتها من الفضيحة سابقًا،

الجميع يتساءل كيف للزوجة الأولى العاجزة كليًا أن تصبح أحد أفراد الأسرة التي يُعمل على راحتها ليل نهار؟! فترد أم ليلى قائلة:

اسألوها هي، إنه دين قديم طوقت هي به رقابنا قبل سنوات فـ أرددُ دائمًا: “صنائع المعروف تقي مصارع السوء”!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?