في الصيف ضيعت اللبن
في الصيف ضيعت اللبن
مثل عربي قيل في الجاهلية وهو يضرب في من يضيع خيرا أتاه بسبب طمعه وقلة رضاه ووراء هذا المثل قصة واقعية.
فيقال إن أحد أثرياء الجاهلية ووجهائها يقال له عمرو بن عمرو بن عداس ، بعد أن طعن في السن ،
تزوج إبنة عم له يقال لها دختنوس ، كان عمرو هذا سخيا كريما عليها ، يحبها ويحنو عليها ، لكنها لم تقنع بحالها.
إلا أن دخنتوس كرهت كبر عمرو وشيخوخته ، فقد كانت دائما ما تقارن حالها بحال صاحباتها اللاتي تزوجن من شباب يقاربونهن في العمر ،
وكانت تندب حظها العاثر الذي جعلها تتزوجه ، لتضيع جمالها وشبابها في ظله ،
ونسيت ما يتمتع به زوجها من خصال طيبة ووجاهة وغنى ، وأنه كان يحبها ويكرمها.
وفي أحد الأيام نعس زوجها فوضع رأسه في حجرها ، فغفا وسال لعابه ،
فصحا على صوتها وهي تتأفف وتعدد عيوبه التي تكرهها ، فسألها : أيسرك أن أفارقك وأطلقك؟
فقالت له على الفور : أي نعم. فطلقها ، وكان ذلك في فترة الصيف.
تزوجت تلك المرأة بعده بشاب جميل المحيا من آل زرارة ، لكنه لم يكن يتحلى بصفات زوجها السابق من وجاهة وشجاعة وكرم ،
وقد حصل في يوم أن أغارت عليهم قبيلة بكر بن وائل ، فنبهت زوجها وكان نائما ،
حتى يدافع عنها وعن عرضها ، إلا أنه خاف واستعظم القتال.
إقرأ أيضا: عندما كنت أعيش في أمريكا نيويورك
فأصابه الفزع ومات في مكانه ، فسباها الغزاة ، ولكن ما إن سمع عمرو بسبي زوجته السابقة ،
حتى أخذته الحمية وسارع بإرسال فرسانه ليفكوا أسرها ، وينقذوها من السبي والمهانة.
تزوجت تلك المرأة بعد ذلك من شاب آخر ، إلا أنه كان فقيراً لدرجة أنها كانت تشتهي شرب الحليب الذي لم تكن تفتقده في بيت زوجها الأول ،
بل كانت تشربه بديلا عن الماء في كثير من الأحيان لوفرته.
وفي أحد الأيام ، وبينما كانت واقفة عند باب خيمتها ، إذا بقافلة تسد الأفق ببضائعها وإبلها ،
فسألت صاحب القافلة بعض اللبن من إبله ، وإذا بصاحبها هو عمرو بن عمرو ، زوجها الأول.
ما أن رآها عمرو حتى عرفها ، فقال لها : في الصَّيْف ضَيَّعْتِ اللبن ،
فقد أضعت ما كنت فيه من عز وخير ، وأسرعت بالزواج بغيري ، فكيف أعطيك ما أضعته.
وذهب ما قاله مثلا يضرب في كل من يتجاهل الخير الذي لديه ،
ويتبطر على النعم التي يعيش فيها ، ثم يندم على ذلك.
وكم من فعلوا مثلها ولكن بصور مختلفة.