في بيتنا حجرة مغلقة الجزء الثاني
صوت الأقدام يقترب ، يقترب ، وفجأة وجدت رجلين كأنهما سكان بدائيون فتحدث أحدهم لي قائلا : من أنت ومن أين جئت؟!
ووجه لي رمحا مصنوع من الخشب والحجارة.
فقلت أنا نزلت من بيتنا من غرفة لدينا وهبطت إلى هنا.
فأسرع أحدهما قائلا ما اسمك كاملا.
فقلت له إسمي أحمد جمال الدين إبراهيم
فقال أأنت ابن أخي؟
فأسرع الإثنان بفك وثاقي وقالا لي :
نحن الإثنان هبطنا من منزلنا كذلك منذ فترة طويلة ، ووصلنا إلى هنا وحاولنا أن نعثر على مخرج ولكننا كنا صغيرين ،
فعشنا هنا وحاولنا التأقلم على ذلك ومررنا بأيام صعبة جدا ولكن بفضل الله مرت ،
احك لنا ما الذي حدث في كل تلك المدة وكيف هبطت بالضبط؟
أخذت نفسا عميقا وقلت لهما ، حكت لي والدتي عما حدث لكما فقتلني فضولي ،
وفتحت الحجرة التي كانت مغلقة منذ اختفائكما ، وهبطت من الفتحة التي ألقتني في الماء ،
ووجدت عملة معدنية ، وناولتها لأحدهما فقال مبتسما :
لقد وقعت مني عندما صعدنا من الماء واسترحنا كذلك ،
ولولا أنا تدربنا على السباحة في النيل منذ صغرنا لما استطعنا أن نصل إلى هنا.
وعندما وصلنا إلى هنا جمعنا أخشابا وصنعنا ذلك الكوخ ، الذي عشنا فيه كل تلك المدة.
ونجحنا في إشعال النار بالحجارة ، وأخذنا نجمع الثمار أو نصطاد من البحيرة التي يصب فيها المجرى الذي أتيت منه فهي قريبة من هنا ،
وهناك بعض الغزلان التي تعيش في هذه المنطقة ولكن نادرا ما نسطيع الإمساك بها.
ولكننا لم نتوغل داخل الغابة لأننا فضلنا أن نكون قريبين من مكان هبوطنا لعل أحد يصل لنا ،
وها أنت وصلت إلينا بعد سنين صعبة مرت علينا.
إقرأ أيضا: رسب أحد الطلاب في مادة التعبير
نظرت إلى عمي وقلت لهما : لابد أن نبحث عن مخرج فلابد أن يكون هناك مخرجا نسطيع العودة منه.
فقال عمي إبراهيم : هل أنت واثق من ذلك؟
فاةأومأت إليه برأسي أن نعم.
وذلك لأن من المستحيل أن يكون هذا المكان بعيدا جدا عن الأرض وكيف يصل الهواء والسمك وغير ذلك هنا؟
جهزنا عدتنا وما جمعه عماي خلال فترة إقامتهم وانطلقنا داخل الغابة.
ولا نعرف هنا ليل من نهار ، فالضوء خفيت لا نعرف مصدرا له ،
وكذلك المكان لا يستمد ضوءه من الشمس فما كان لي غير الهاتف لتحديد الوقت.
مررنا بأشياء غريبة وكلما مررنا بشيء ازددنا خوفا من أن يكون المخرج بعيدا أو نكون نبحث في مكان خاطىء.
بعد وقت طويل حوالي يوم كامل وجدنا شيئا لم يكون متوقع ولم نصدق أعيننا.
قرية صغيرة في وسط الغابة ، في بداية الأمر خفنا وقمنا بالاختباء خلف الأشجار ،
وفجأة ونحن نشاهد إذ رمح مسدد في ظهورنا ورجل ممسك بآلة تشبه الماسورة مصنوعة من الخشب وبها أسهم صغيرة ،
رفعنا أيدينا وألقينا رماحنا ونزلنا على الأرض ، كانوا يتحدثون لغة عربية فصحى ، قال أحدهم :
لتمشوا أمامنا ولا تحاولوا الهرب كيلا يصيبكم منا مكروه.
مشينا حتى أوقفونا أمام باب ، ودخل أحدهم ثم خرج وطلب منا الدخول.
دخلنا فإذا بنا أمام ثلاثة رجال كبار في السن لحاهم بيضاء ناصعة البياض ،
فقلت : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فردوا السلام ، وقال كبيرهم : كيف أتيتم إلى هنا؟
فحكيت له ما حدث لي ولأعمامي فقال في استغراب :
إذن هناك مدخل آخر غير الذي نعرفه!
فأمر أن يجهز عشرة من الرجال وتذهبون كي يغلقوا ذلك المكان بسرعة.
إقرأ أيضا: قصة وعبرة الجزء الأول
وقال نحن هنا نحرس بوابة الشر خوفا من أن تخرج للعالم ولا نسمح لأحد أن يخرج منها ،
وهذا المكان الذي أتيتم منه لم نكن نحسب حسابه ، وبفضلكم عرفناه وسنسده ونمنع أن يدخل أحد منه.
ثم سألنا : هل تريدون العودة سالمين إلى أهلكم؟
فقلنا : نعم نريد.
فقال : سأرسل معكم دليل يخرجكم من مكان للخروج لا يستطيع أحد الدخول منه ولكنه معد للخروج فقط.
وهمس إلى أحدهم ، فقام وأتى بثلاثة علب من الخشب مغلقة ،
وقال : تلك هدايا منا على إعلامنا بالمدخل الذي أتيتم منه.
فأسرعت قائلا : شكرا جزيلا ولن نخبر أحد بمكانكم.
فقال مبتسما : لا عليك من هذا فلن يصدقك أحد إن قلت ، وأمر بأن يأخذنا الدليل ويمضي.
مشينا معه وبينما نحن نبتعد عن القرية إذ رأينا بوابة عظيمة جدا مغلقة بسلاسل ضخمة وخلفها صراخ وأصوات عالية مختلطة ،
فحاولت أن أستفسر من الدليل ، فقال لي بنبرة حادة :
لا تسأل فهذا لا يخصك وأفضل لكم ألا تعرفوا.
ومشينا مبتعدين جدا ومرت أكثر من يومين حتى وصلنا لفتحة داخل جبل فدخلناها ،
ومشينا داخلها كثيرا حتى وصلنا لفوهة عالية.
ووجدنا صندوقا معلقا بشيء كأنه منطاد ، فقال الرجل ستركبون هذا وسوف نملؤه بالبخار وسيقذفكم لأعلى.
وفتح صخرة كانت في زاوية فخرج منها بخار ساخن ملأ المنطاد فارتفع لأعلى ، لأعلى.
حتى رأينا السماء وفجأة هبط بعيد ولم نستطع أن نرى من أي مكان خرجنا ،
ولكنا نزلنا على الأرض ورأينا طريقا ولكن العربات كانت نادرة جدا عليه.
وبعد فترة وجدنا شاحنة كبيرة ، فاستوقفناها وسألنا سائقها عن المكان فقال :
أنتم الآن في هضبة الجلالة وقال أنه مسافر تجاه بلدنا ،
فطلبنا منه أن يقلنا معه وركبنا ونحن نسابق الزمن ونريد أن يمر كي نصل لأهلنا.
إقرأ أيضا: قصة أسرة ضعيفة تتكون من خمسه أفراد
ووصلنا أخيرا وكنا بعد العشاء بمدة طويلة.
الطرقات خالية من الناس ، وعندما وصلنا لمنزلننا وجدنا الباب مغلق ولكن هناك أهل البيت كلهم مستيقظون.
فقمت بطرق الباب فسمعت صوت أمي تقول من؟
فقلت أنا أحمد يا أمي ومعي عمي علي وعمي إبراهيم.
فصرخت من خلف الباب ونادت على أبي قائلة :
يا جمال هناك عفاريت تخبط على الباب ، عفاريت الأموات.
فحضر أبي وجدي وقالا من خلف الباب :
من؟ فقلت نفس الكلام.
ففتح فإذا نحن الثلاثة نقف فدخلت أولا فحضنني أبي وقام بضربي كفا عيني برقت منه وقال : أين كنت؟
لقد قلبنا عليك البلد ولم ننم منذ اختفيت.
فقمت بدعوة عماي للدخول وأخذوا جميعا يتفحصونهم وعماي يبكيان والزغاريد رنت في البيت لرجوعنا.
فدخلنا جميعا وأتى الجيران وانقلب المنزل فرحا ، وحكيت لهم ما حدث لنا والكل يضرب كفا بكف وكأنه ضرب من الخيال.
ولكن ما كان يهمهم هو عودتنا وسهرنا للفجر فرحين ، وكنت أنا أفكر فيما حدث وأفكر كذلك في الهدية التي أخذتها ،
فقمت وخبأتها حتى يهدأ المنزل الذي عمرته الفرحة وملأت جنباته وكأننا في حلم.