Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
قصص منوعة

قال الشعبي لقيني القاضي شريح فقال لي

قال الشعبي لقيني القاضي شريح فقال لي : يا شعبي إذا رغبت في الزواج فعليك بنساء بني تميم ، فإني رأيت لهن عقولا راجحة ،

وأدبا جما ، ودينا وخلقا ، وجمالا نادرا ، فقلت وما رأيت من عقولهن؟

قال : أقبلتُ ذات يوم من دفن جنازة وقت الظهر ، فمررت بدور بني تميم وإذا أنا بعجوز تجلس أمام باب دارها وإلى جانبها جارية ،

“فتاة صغيرة” كأحسن ما رأيت من الجواري ، كأنها البدر ليلة تمامه ، فمِلتُ إليها ، واستسقيتُها (أي طلبت أن يسقوني)

وما بي من عطش ، فقالت لي (يعني العجوز) : أي الشراب أحب إليك؟ قلت : ما تيسر.

قالت : ويحك يا جارية! قومي فائيته بلَبنٍ ، فإني أظن الرجل غريبا.

فقلت للعجوز بعد أن شربت من اللبن : يا خالة أخبريني من تكون هذه الجارية؟

قالت : هي إبنتي زينب بنت حدير التميمي إحدى نساء بني حنظلة.

قلت : أهي فارغة أم مشغولة؟ أقصد هل هي متزوجة أو مخطوبة ، قالت: بل فارغة.

قلت أتزوجينيها؟ قالت : نعم ، إن كنت كفؤا لها ، فاذهبْ إلى عمها فحدثه بمثل ما حدثتني به فإنها يتيمة الأب.

يقول القاضي شريح : فتركتها ومضيت إلى منزلي لأقيل فيه ، فامتنعت مني القائلة ولم يأتيني النوم لانشغال تفكيري بتلك الجارية ،

فلما صليت العصر أخذت بيد إخواني من العرب الأشراف : علقمة والمسيب وغيرهما ،

ومضيت أريد عمها ـ ويبدو أنه كان يعرفني ـ فاستقبلنا في بيته أحسن إستقبال وقال : ما شأنك أبا أمية؟

قلت : زينب إبنة أخيك ، قال: ما بها عنك رغبة ، وما بك عنها من نقص ، قلت :

فزوجنيها ، قال : نعْمَ الزوج أنت ، فأرسل لبعض رجال بني تميم وزوجني زينب بحضرتهم وبشهادتهم.

إقرأ أيضا: درس لطيف في الأخلاق

فلما صارت زينب في عصمتي ندمت وقلت أي شيء صنعت يا شريح؟ فنساء بني تميم ، مشهورات بغلظ قلوبهن وقساوة معاشرتهن ،

فقلتُ في نفسي سأطلقها قبل أن أدخل بها ، ثم قلت : لا ، سأدخل بها أولا ، فإن رأيت منها ما أحب أمسكتها وإلا كان الطلاق.

فلو شهدتني يا شعبي تلك الليلة ـ يقول القاضي شريح ـ وقد أقبلت نساؤها معها حتى أدخلوها علي.

فقالت حين دخلت : إن من السنة إذا دخلت المرأة على زوجها أن يقوم ويصلي ركعتين ،

ويسأل الله تعالى من خيرها ويتعوذ من شرها.

فتوضأتُ فإذا هي تتوضأ مثلي ، وصليت فإذا هي تصلي بصلاتي ، فلما قضيت صلاتي ،

أَتتني جواريها فأخذن ثيابي وألبسنني حلّةً قد صُبغت بالزعفران وطُيِّبت بالمسك والبخور.

فلما خلا البيت لنا وذهبت الجواري وبقينا لوحدنا ، دنوتُ منها ، فمددت يدي إلى ناصيتها لأكشف الغطاء عن وجهها ،

فقالت على رسلك أبا أمية ، ثم قالت : الحمد لله أحمده وأستعينه وأستهديه ، وأصلي وأسلم على محمد وعلى آله ،

أما بعد ، فإني إمرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك فبيِّنْ لي ما تحب فآتيه ، وما تكره فأجتنبه ، فإنه قد كانت لك زوجة سابقة في قومك ،

والآن قد ملكت ، فاصنعْ ما أمرك الله تعالى به ، إما إمساكٌ بمعروف أو تسريح بإحسان ،

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولك ولجميع المسلمين.

قال : فأحوجتني الفتاة والله يا شعبي إلى الخطبة في ذلك الموضع ،

فقلت: الحمد لله أحمده وأستعينه ، وأصلي وأسلم على محمد وآله ، أما بعد ،

فإنك قلتِ كلاماً إن ثبت عليه يكُنْ ذلك حظاً لي ، وإن تدعيه يكن حجة عليك ، إني أحب كذا وكذا وأكره كذا وكذا ،

إقرأ أيضا: لما سمع عكاشة أن سبعين ألفا سيدخلون الجنة بغير حساب

وما رأيتِ من حسنة فبُثِّيها ، وما رأيتِ من سيئة فاستريها ، فقالت : كيف محبتك لزيارة الأهل؟ قلت : ما أحب أن يملني أصهاري.

قالت : فمن تحب من جيرانك يدخل دارك فآذنُ له ، ومن تكره منهم فأكرهه؟

قلت: بنو فلان قوم صالحون ، وبنو فلان قوم سوء.

قال : فبتُّ معها يا شعبي بأنعم ليلة وأسعدها ، ومكثتْ معي عاما لم أرى منها قط إلا ما أحب.

فلما كان رأس الحول جئتُ من مجلس القضاء ، وإذا أنا بعجوز في الدار تأمر وتنهى ، قلت: من هذه؟

قالوا فلانة أم زوجتك ، قلت : مرحباً وأهلا وسهلا.

فلما جلستُ أقبلت العجوز عليّ وقالت : السلام عليك يا أبا أمية ، فقلت وعليك السلام ومرحباً بك وأهلا.

قالت : كيف وجدت زوجتك؟ قلت : خير زوجة وأوْفَقُ قرينة ،

لقد أدّبتِ فأحسنتِ الأدب ، وريّضت فأحسنت الرياضة ، فجزاك الله خيراً.

فقالت : أبا أمية إن المرأة لا يرى أسوأ حالا منها في حالتين ، قلت: وما هما : قالت : إذا ولدتْ غلاماً أو حظيت عند زوجها ،

فإن رابك منها مريب فعليك بالسوط ، فوالله ما حاز الرجال في بيوتهم أشر من المرأة الرعناء المدللة.

فقلت : والله لقد أدبت ، فأحسنت الأدب ، وريضت فأحسنت الرياضة ، قالت : كيف تحب أن يزورك أصهارك؟

قلت : ما شاءوا ، فكانت تأتيني في رأس كل حول فتوصيني بتلك الوصية.

قال شريح فلبثت معي عشرين سنة وما عبت عليها شيئا في تلك السنين إلا يوما واحدا ، وكنت لها ظالما أيضا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?