قبيل العصر نذهب أنا وأمي إلى المطبخ نتشارك طبخ أصناف عدة ، أتصور أننا لن ننجح في إنهائها قبيل المغرب ،
فأطلب من والدتي أن تنقص من أصنافها شيئا لكنها تأبى ، تقول : أن الله يُكرمُ الصائمين بغير حساب ، أفأبخل عليهم أنا؟!
نتشارك أحاديثا عدة ، نتحدث في كل شيء وفي اللاشيء ونتسابق في ذكر الله ،
ودون أن أنتبه ينسكب اللبن رغما عني أو يحترق الثوم فنضطر إلى صنعه من جديد ،
فتعلن علي الحرب وتشكو إلى الله إبنتها التي لا زال اللبن ينسكب منها رغم أن صديقاتها قد نجحن في إنشاء بيوت!
وبعد ثوان نستكمل حديثا بدأناه أو ذكرا ألهانا الثوم المحترق عن إنهائه.
فتلكز كتفي بيد لكنها تربت على ذات الكتف باليد الأخرى ، تنعتني بالمستهترة ،
وبعد ثوان تخبرني أنني قد تفوقت عليها في طهي هذا الصنف!
تقول أنني طفلة لا أصلح لطهي وجبات الصائمين لكنها لا ترضى عن طبختها إلا بعد أن أثني أنا عليها!
أنظر إلى أمي فأشعر أنها إمرأة طيبة بكل ما تحمل هذه الكلمة من طيبة وحب ،
فأحمد الله على نعمة وجودها وأن رمضاننا لا يخلو منها.
وأستشعر كم من بنات يقفن الآن في المطابخ وحدهن يتذكرن رمضانهن الماضي الذي لم يكن يخلو من أمهاتهن ،
كانت الوالدة معهن تغدو وتروح وكأن بالمطبخ معركة تجهز الفطور وتعد المائدة وتصنع أصنافا من العصائر وتدعو لأبنائها واحدا واحدا.
لكنها الآن فارقت مطبخها بموائده وبدلا من أن تدعو لأبنائها صارت بحاجة لأن يدعوا هم لها.
كل الحب للأمهات التي تتزين المطابخ بهن الآن بُورِكَ صنيعكن وحفظ لكن أولادكن ، وكل الرحمة لمن رحلن منهن.
والصبر والسلوان لكل بيت فارقته سيدته فخلا من الحب والسلام والطمأنينة ،
حتى لو كانت موائده عامرة بأصناف شتى ، حفظ الله أمهاتكم ورَحِمَ الله الراحلات منهن.