قصص منوعة

قسمتي ونصيبي الجزء الثالث

قسمتي ونصيبي الجزء الثالث

مع الأسف أحببتها ، فقد شعرتُ وكأنها استوطَنَتْ أعماق قلبي ، كنتُ أراها مختلفة عن كل البنات اللواتي رأيتُهُنَّ بحياتي ،

واعتَقَدْتُ أنها ستبادلني نفس الشعور بعد أن نلتقي مراراً وتعرفني من الداخل ،

لكن مضَتْ بضعة أشهر ، لم أَرَها سوى بزياراتي لمنزلهم ، وبكل مرة تجلس معي كانت مُغَيَّبَة الذهن ،

غير أنها تَجَنَّبَتْني كلياً في الجامعة ، واختَلَقَتْ الأعذار التي لم أجد مبرراً لها ،

مما جعل اليأس يتسرّب لداخلي رويداً رويدا.

فذهبت إليها ذات مرة وقلت : هل تَوَدّينَ أن أفسخَ الخطوبة؟!

فردَّت بذعر وتلعثم : نعم ! ، لا، لا ، ليس الآن ، أقصد لماذا فلم نتعرَّف على بعضنا بعد.

وكيفَ سنتعرَّف إن كنتِ تتجنَّبينَ رؤيتي بالجامعة ولا أراكِ بمنزل عائلتك سوى ساعتين.

هدأَت فجأة وردَّت بابتسامة خجولة : نحنُ الآن على أبواب الامتحانات ، دعنا ننهيها الآن ، وستنتهي هذه الفجوة بيننا إلى الأبد.

حلَّقَ قلبي بأرجاء صدري فرحاً بما قالته ، وأيقَنْتُ حينها أنها تُبادلني نفس الشعور ،

فضاعَفْتُ مجهودي في الدراسة كي لا يُقال بأنَّ درجاتي انخفضت بسببها.

ظهرت النتائج ، وكان معدَّلها جيداً ، أما أنا فكنت الأول كالمعتاد ، وأقمتُ حفلاً بمنزلي دعوت إليه الأصدقاء ،

وفي اليوم التالي دعوتها وعائلتها على العشاء ، وقبل أن تنتهي زيارتهم لنا ، قال أبيها :

إبنكم شاب لا يُعَيَّب ، أدب وأخلاق ، ولن أجد أفضل منه زوجاً لابنتي ، ولكن المعذرة منكم ،

مع أني أعلم أنَّ ذلك من حق أهل العريس ، لكن أودُّ أن يتمَّ تحديد موعد الزفاف بعد أسبوعين.

كان كلامه كالصاعقة ضرَبَتْ رؤوسنا ، فساد الصمت للحظات ، ثم قال أبي : هذا من دواعي سرورنا.

تعالت زغاريد أمي ولحقتها أمها ، فنظرتُ إليها وإذا بها خافضة رأسها بحزن كمن تمَّ ضربها وتوبيخها بشدة.

كدتُ أن أُجَنَّ من الحيرة ، فلم أستطع معرفة سبب حزنها ، كونها استمرَّت بوضع مسافة بيننا ،

حتى بعدَ أن تبَقَّى أسبوع واحد على حفل الزفاف.

1 3 4 10 1 3 4 10

إقرأ أيضا: ابنة الجار الجزء الأول

في المساء وقبل موعد الزفاف بيوم ، اتَّصل أبيها بأبي ، ففتح أبي مكبر الصوت ، فقال أبيها :

لا نصيبَ لكم عندنا ، وسنرسل كل الذهب والهدايا غدا.

قال أبي بهدوء ما قبل العاصفة : ما السبب؟!

إبنتي لم تُحِبَّ إبنك ولا تريدُ الزواج به ، وبعد أسبوع سنسافر خارج البلاد.

بدأ أبي بالصراخ : لعنة الله عليكَ ، وعلى تربيتك القذرة ، إبنتك هي التي طلبَتْ من إبني أن يخطبها ثم غيَّرَتْ رأيها.

أغلق أبيها الهاتف دون أن يردَّ بكلمة ، وأنا مصدوماً لا أستطيع النطق ولا التفكير من صراخ أبي علينا ،

ولأول مرة بحياتي بَكَيْت ، صعدتُ إلى غرفتي ، وانهالت دموعي وأنا أقول :

ماذا فعلتُ لها حتى تقوم بكسري هكذا ، ما هو الخطأ الذي ارتَكَبْتُهُ معها ، لقد أحببتها من كل قلبي وتوَقَّعْتُ أنها ستحبني.

ومن تاريخ هذا اليوم بدأت معاناتي ، وانتهت بنفس تاريخ هذا اليوم.

في صباح اليوم التالي ، أتى رجل تابع لشركة توصيل ، وأعطانا كل الأغراض.

ولأننا لم نستطع الاتصال بكل الأشخاص الذين دعوناهم لكي نخبرهم بإلغاء الزفاف ،

زارنا الذين عرفوا عن طريق صالة الأفراح ، كي يسألوا عن السبب ، ولأني لم أستطع أن أخبر زملائي ،

جمعوا بعضهم كوفد ، وأتوا لزيارتي.

حاولتُ تمالك نفسي كيلا يظهر الحزن على وجهي ، لكن عندما تهامسوا عليَّ ، سقطت دمعتي عنوة عني ، وصعدتُ إلى غرفتي ر

لم أستطع حتى أن أتصل وأسألها لماذا كل هذا الغدر ، ألهذه الدرجة لم تستطع أن تتقَبَّلني حتى فضَّلَتْ السفر مع أهلها على الزواج بي؟!

ألهذا الحد أنا لا أُطاق.

بدأتُ بالذهاب لعملي في التدريس بالجامعة ، فشعرتُ وكأنَّ زملائي قد نقلوا لطلاب السنوات الأولى خبر انفصال خطيبتي عني ،

فرأيتُهم جميعاً كلما يروني ينظرون لي بشفقة ويتهامسون :

إقرأ أيضا: حكاية نسر لكنّه ظل دجاجة

كم هو مسكين ، لقد انفصلَتْ عنه قبل الزفاف بيوم ، لكن يا هل ترى هل اكتشفَت أنَّ به سوء خلق لا يُطاق؟

لم يكن ينقصني سوى السمعة السيئة ، التي ترسَّخَت حتى بين أقاربنا ، فسمعتُ أمي تقول لأبي بأنَّ كل من زارنا قال لها :

هل حاول ابنكِ التقرّب منها بطريقة لا أخلاقية ، جعلها تنفصل عنه بهذا التوقيت؟!

مرَّت سنة على ذلك اليوم الأليم ، وأنا كجثة متحركة من الجامعة إلى المنزل ، لا أقابل أحداً ولا أخرج سوى مع نفسي ،

لحين أتاني اتصال من رقم مجهول بنفس تاريخ انفصالها عني ، أجَبْتُ باعتقادي أنه صديقٌ لي ،

لكن عندما سمعتُ صوتها ، لم أستطع النطق بكلمة وهي تقول :

سامحني ، أنت إنسان لا مثيل لكَ ، وحينها لو لم أكن أحب الشاب الذي حدَّثْتُكَ عنه ، لكنتُ أحبَبْتُك ،

لكنك كنتَ الحل الوحيد لآخذ حصتي من أملاك أبي ، وأهرب معه وأتزوَّجه.

وبعدَ أن تحدَّدَ موعد الزفاف ، أعطاني أبي كل حصَّتي كما وعدني ، فقد كان شرطه الوحيد هو زواجي.

لم أجد من نفسي سوى أنني ضَحِكْتُ ضحكة هستيرية وقلت لها : ولماذا تُخبريني الآن بهذا الكلام ؟!

أجهَشَت بالبكاء وهي تقول : بعد أن تزوجت مِنَ الذي كنت أعتقده حبيبي ، نصبَ عليَّ ثم طلَّقني بعد أن قال :

إنَّ التي تخون أهلها ، سيأتي يوم وتخونني به وقبل أن تفعلي ذلك ، أنتِ طالق.

ثم عرفتُ أنَّ أهلي سافروا خارج البلاد بعد هروبي بأسبوع ، ولأني لا أملك شيئاً سوى شهادتي ،

استَطَعْتُ أن أعمل بها ، وأستأجر غرفة عند إمرأة عجوز ، ولقد اتصلتُ بكَ لأني على يقين بأنَّ الذي مررتُ به كان عقاباً لي عما فعلته معك ،

فأرجوكَ سامحني ، ولو كان هناك أمل من عودتي إليك ، لم أكن لأُضيعه مني ،

فبكل الشهور التي قضيتها معك كنتُ أموت حزناً بسبب الذي سأفعله بكَ وأنت لا تستحق.

إقرأ أيضا: أعجب أحدهم بجارته المتزوجة

أغلَقْتُ الاتصال بوجهها ، بعدَ أن شفاني كلامها من كل أوجاعي ، وندمتُ على الليالي التي قضَيْتها حزيناً بسببها ،

فهي لم تكن تستحق أنْ تأخذَ ثانية من تفكيري ، وأدرَكْتُ أنَّ انفصالها عني كانَ به كل الخير لي ،

وحمدتُ الله كيف كشَفَت نفسها أمامي ، وكم كنتُ محظوظاً لإنتهاء علاقتي بها.

لم تمضي بضعة أشهر حتى خطَبْتُ زميلة لي بعد أنْ أخبرني صديقي الذي لم يُفارقه لقب الإذاعة ،

بأنّ زميلتنا رفضت الارتباط بأي شاب تقدّم لها حتى بعد أن يَئِسَت مني.

لم أصدق كلامه إلا بعد أن تزوجتُها وأخبرَتْني أنَّ أغلب بنات دفعتنا كُنَّ معجبات بي.

لا أعلم لماذا لم أكن أصدق كلام أصدقائي بأني شاب محبوب وأعتبرُ كلامهم نوعٌ من السخرية أو المجاملة.

وبسبب سنوات التفاهم والانسجام التي عشتها مع زوجتي ،

أدرَكْتُ أنَّ قسمتي ونصيبي من الحب ساقه القدر لأعيشه بعدَ تلك التجربة المؤلمة في الوقت المناسب ومع المرأة المناسبة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?