قصة أصحاب الفيل

قصة أصحاب الفيل

ورد ذكر القصة في سورة الفيل الآيات 1-5.

قال تعالى :

( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5) )

كانت اليمن تابعة للنجاشي ملك الحبشة ، وقام والي اليمن (أبرهة) ببناء كنيسة عظيمة ، وأراد أن يغيّر وجهة حجّ العرب ،

فيجعلهم يحجّون إلى هذه الكنيسة بدلا من بيت الله الحرام.

فكتب إلى النجاشي : إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك ، ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب.

إلا أن العرب أبوا ذلك ، وأخذتهم عزتهم بمعتقداتهم وأنسابهم ، فهم أبناء إبراهيم وإسماعيل ،

فكيف يتركون البيت الذي بناه آباءهم ويحجّوا لكنيسة بناها نصراني!

وقيل أن رجلا من العرب ذهب وأحدث في الكنيسة تحقيرا لها ، وأن بنو كنانة قتلوا رسول أبرهة الذي جاء يطلب منهم الحج للكنيسة.

فعزم أبرهة على هدم الكعبة ، وجهّز جيشا جرارا ، ووضع في مقدمته فيلا مشهورا عندهم يقال أن اسمه محمود.

فعزمت العرب على قتال أبرهة.

وكان أول من خرج للقاءه ، رجل من أشراف من اليمن يقال له ذو نفر ،

دعى قومه فأجابوه ، والتحموا بجيش أبرهة. لكنه هُزِم وسيق أسيرا إلى أبرهة.

ثم خرج نفيل بن حبيب الخثعمي ، وحارب أبرهة ، فهزمهم أبرهة وأُخِذَ نفيل أسيرا ، وصار دليلا لجيش أبرهة حتى وصلوا للطائف.

فخرج رجال من ثقيف ، وقالوا لأبرهة أن الكعبة موجودة في مكة حتى لا يهدم بيت اللات الذي بنوه في الطائف ،

وأرسلوا مع الجيش رجلا منهم ليدلهم على الكعبة!

وكان اسم الرجل أبو رغال ، توفي في الطريق ودفن فيها ، وصار قبره مرجما عند العرب.

إقرأ أيضا: قصة رائعة عن شجاعة الصحابي علي رضي الله عنه

فقال الشاعر:

وأرجم قبره في كل عام كرجم الناس قبر أبي رغال.

وفي مكان يسمى المغمس بين الطائف ومكة ، أرسل أبرهة كتيبة من جنده ، ساقت له أموال قريش وغيرها من القبائل.

وكان من بين هذه الأموال مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم ، كبير قريش وسيّدها.

فهمّت قريش وكنانة وهذيل وغيرهم على قتال أبرهة ، ثم عرفوا أنهم لا طاقة لهم به فتركوا ذلك.

وبعث أبرهة رسولا إلى مكة يسأل عن سيد هذا البلد ، ويبلغه أن الملك لم يأت لحربهم وإنما جاء لهدم هذا البيت ،

فإن لم يتعرضوا له فلا حاجة له في دمائهم!

فإذا كان سيد البلد لا يريد الحرب جاء به إلى الملك.

فلما أخبر الرسول عبد المطلب برسالة الملك ، أجابه : والله ما نريد حربه وما لنا بذلك من طاقة ،

هذا بيت الله الحرام ، وبيت خليله إبراهيم عليه السلام ، فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه ، وإن يخل بينه وبينه فوالله ما عندنا دفع عنه.

ثم انطلق عبد المطلب مع الرسول لمحادثة أبرهة ، وكان عبد المطلب أوسم الناس وأجملهم وأعظمهم ،

فلما رآه أبرهة أجله وأعظمه وأكرمه عن أن يجلسه تحته ، وكره أن تراه الحبشة يجلس معه على سرير ملكه.

فنزل أبرهة عن سريره فجلس على بساطه وأجلسه معه إلى جانبه ، ثم قال لترجمانه :

قل له : ما حاجتك؟ فقال : حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي.

فلما قال ذلك ، قال أبرهة لترجمانه : قل له : قد كنت أعجبتني حين رأيتك ، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني!

أتكلمني في مئتي بعير أصبتها لك وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه؟

قال له عبد المطلب : إني أنا رب الإبل ، وإن للبيت رب سيمنعه.

فاستكبر أبرهة وقال : ما كان ليمتنع مني.

قال : أنت وذاك! فردّ أبرهة على عبد المطلب إبله.

ثم عاد عبد المطلب إلى قريش وأخبرهم بما حدث ، وأمرهم بالخروج من مكة والبقاء في الجبال المحيطة بها.

إقرأ أيضا: الصحابي الذي قتل مائة رجل مبارزة في معركة تستر

ثم توجه وهو ورجال من قريش إلى للكعبة وأمسك حلقة بابها ،

وقاموا يدعون الله ويستنصرونه ، ثم ذهب هو ومن معه للجبل.

ثم أمر أبرهة جيشه والفيل في مقدمته بدخول مكة ، إلا أن الفيل برك ولم يتحرك.

فضربوه ووخزوه ، لكنه لم يقم من مكانه.

فوجّهوه ناحية اليمن ، فقام يهرول ، ثم وجّهوه ناحية الشام ، فتوجّه ، ووجّهوه جهة الشرق، فتحرّك ، فوجّهوه إلى مكة فَبَرَك.

ثم كان ما أراده الله من إهلاك الجيش وقائده ، فأرسل عليهم جماعات من الطير ، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار :

حجر في منقاره ، وحجران في رجليه ، أمثال الحمص والعدس ، لا تصيب منهم أحدا إلا هلك.

فتركتهم كأوراق الشجر الجافة الممزقة.

فهاج الجيش وماج ، وبدؤا يسألون عن نفيل بن حبيب ليدلهم على الطريق إلى اليمن.

فقال نفيل بن حبيب حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته :

أين المفر والإله الطالب والأشرم المغلوب ليس الغالب.

وقال أيضا :

حمدت الله إذ أبصرت طيرا وخفت حجارة تلقى علينا

فكل القوم يسأل عن نفيل كأن علي للحبشان دينا

وأصيب أبرهة في جسده ، وخرجوا به معهم يتساقط لحمه قطعا صغيرة تلو الأخرى ، حتى وصلوا إلى صنعاء ،

فما مات حتى انشق صدره عن قلبه كما تقول الروايات.

إن لهذه القصة دلالات كثيرة يصفها الأستاذ سيّد قطب رحمه الله في كتابه (في ظلال القرآن) :

فأما دلالة هذا الحادث والعبر المستفادة من التذكير به فكثيرة.

وأول ما توحي به أن الله سبحانه لم يرد أن يوكل حماية بيته إلى المشركين ، ولو أنهم كانوا يعتزون بهذا البيت ، ويحمونه ويحتمون به.

إقرأ أيضا: لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ

فلما أراد أن يصونه ويحرسه ويعلن حمايته له وغيرته عليه ترك المشركين يهزمون أمام القوة المعتدية ،

وتدخلت القدرة سافرة لتدفع عن بيت الله الحرام حتى لا تتكون للمشركين يد على بيته ولا سابقة في حمايته ، بحميتهم الجاهلية.

كذلك توحي دلالة هذا الحادث بأن الله لم يقدر لأهل الكتاب – أبرهة وجنوده – أن يحطموا البيت الحرام أو يسيطروا على الأرض المقدسة.

وأن العرب لم يكن لهم دور في الأرض ، بل لم يكن لهم كيان قبل الإسلام.

كانوا في اليمن تحت حكم الفرس أو الحبشة ، وكانت دولتهم حين تقوم هناك أحيانا تقوم تحت حماية الفرس.

وفي الشمال كانت الشام تحت حكم الروم إما مباشرة وإما بقيام حكومة عربية تحت حماية الرومان.

ولم ينج إلا قلب الجزيرة من تحكم الأجانب فيه ، ولكنه ظل في حالة تفكك لا تجعل منه قوة حقيقية في ميدان القوى العالمية.

وكان يمكن أن تقوم الحروب بين القبائل أربعين سنة ، ولكن لم تكن هذه القبائل متفرقة ولا مجتمعة ذات وزن عند الدول القوية المجاورة.

وما حدث في عام الفيل كان مقياسا لحقيقة هذه القوة حين تتعرض لغزو أجنبي.

وتحت راية الإسلام ولأول مرة في تاريخ العرب أصبح لهم دور عالمي يؤدونه ، وأصبحت لهم قوة دولية يحسب لها حساب.

قوة جارفة تكتسح الممالك وتحطم العروش ، وتتولى قيادة البشرية ، بعد أن تزيح القيادات الضالة.

ولكن الذي هيأ للعرب هذا لأول مرة في تاريخهم هو أنهم نسوا أنهم عرب! نسوا نعرة الجنس ، وعصبية العنصر ،

وذكروا أنهم ومسلمون ، مسلمون فقط.

ورفعوا راية الإسلام ، وراية الإسلام وحدها ، وحملوا عقيدة ضخمة قوية يهدونها إلى البشرية رحمة برا بالبشرية ،

ولم يحملوا قومية ولا عنصرية ولا عصبية.

حملوا فكرة سماوية يعلمون الناس بها لا مذهبا أرضيا يخضعون الناس لسلطانه.

إقرأ أيضا: ذهب أبو العاص بن الربيع إلى النبي صل الله عليه وسلم قبل البعثة

وخرجوا من أرضهم جهادا في سبيل الله وحده ، ولم يخرجوا ليؤسسوا إمبراطورية عربية ينعمون ويرتعون في ظلها ،

ويشمخون ويتكبرون تحت حمايتها ، ويخرجون الناس من حكم الروم والفرس إلى حكم العرب وإلى حكمهم أنفسهم!

إنما قاموا ليخرجوا الناس من عبادة العباد جميعا إلى عبادة الله وحده.

عندئذ فقط كان للعرب وجود ، وكانت لهم قوة ، وكانت لهم قيادة ، ولكنها كانت كلها لله وفي سبيل الله.

وقد ظلت لهم قوتهم وظلت لهم قيادتهم ما استقاموا على الطريقة ، حتى إذا انحرفوا عنها وذكروا عنصريتهم وعصبيتهم ،

وتركوا راية الله ليرفعوا راية العصبية نبذتهم الأرض وداستهم الأمم ، لأن الله قد تركهم حيثما تركوه ، ونسيهم مثلما نسوه!

Exit mobile version