قصة أمك ليست ملاكا
قصة أمك ليست ملاكا
عندما قرأت قصة اليتيم للكاتب عبد المجيد وجدت نفسي تلقائيا أبكي كأي إنسان له مشاعر ،
وربما الذين بكوا أكثر هم الذين عاشوا نفس القصة من يتم وتعذيب من طرف زوجة الأب ،
وهذا ما جعلني أتوقف لبرهة لأتذكر أمي الحنونة.
القصة بدأت قبل 36 عاما من الآن ، عندما فتحت عيناي في هذا العالم لأصبح الفتى الأوسط لشقيقاي.
شقيقة كبرى وشقيق يصغرني سنا ولد بعدي ب 5 سنوات.
لكن في المنزل كان معنا طفلين آخرين يكبرانني سنا ، طفل وطفلة لا يشبهاننا كثيرا لكن لهما وجه الشبه مع السيد الوالد.
عرفت فيما بعد أنهما من رحم زوجته الأولى التي توفيت مباشرة بعد ولادة الطفلة ، لعبت معهما لكن في حدود.
شاهدت وأنا طفل كم كانت أمي تعاملهما بقسوة بالرغم من كون الطفل كان حارسي الشخصي في الشارع.
شاهدت على أجسادهم الصغيرة بعض الندوب حينما كانا يستحمان في مرات نادرة ،
ومع مرور الوقت أصبحت أحس بهما كالخدم.
الطفلة في المطبخ طيلة الوقت بينما أختي تلعب أو تدرس ، والطفل هو المكلف بالأغراض الخارجية كالبقالة وأخذ الخبز من وإلى فرن الحارة.
شاهدت بأم عيناي كيف كانا يأكلان القليل خوفا وبعدها يخلدان للنوم.
سمعتهما عدة مرات وهما يبكيان في حضن بعضهما البعض ليلا ،
كانا يشتاقان لليوم الذي يعود فيه أبي من العمل ، فيأكلان جيدا وينامان في أفرشة دافئة ،
وربما يعطيهما بعض المال ليشتريا به الحلويات التي كانا يقتسمانها معنا رغم أننا لا نفعل ذلك معهما حين تتوفر لدينا الحلوى.
كل تلك الحرية التي يستمتعان بها بوجود السيد الوالد يدفعان ثمنها بعد ذهابه بقليل.
إقرأ أيضا: قصة إسلام العالم الرياضيات الأمريكي جيفري لانج
أبي كان يغيب شهرا ويزورنا أسبوعا ثم يغيب شهرا بعد ذلك.
مرت السنوات واعتدت على مشاهد السب والشتم والحرمان من وجبات العشاء ،
التي تقوم بها أمي تجاه الطفلين اللذين كبرا وكبرت معهما العقد النفسية.
فالطفل ظل يتبول في فراشه حتى سن المراهقة والطفلة عانت من كوابيس تدفعها للكلام والصراخ أحيانا وهي نائمة.
الشيء الوحيد الذي إستفادا منه وبإصرار من أبي هو الدراسة ،
لكن الفتاة لم تفلح لإنعدام الوقت المخصص للمراجعة وأعادت بعض الفصول مرتين ما جعل أمي تقنع أبي بإخراجها من فصول الدراسة لتعينها في أعمال المنزل.
أما الطفل فقد وصل للجامعة وتخرج منها فكان سندي في الدراسة وكان الأعلى مستوى في البيت.
أختي الشقيقة لم تنل الباكالوريا أما أنا فقد تخرجت من مدرسة للتكوين المهني وتغربت في الخليج منذ ذاك.
تزوجت تلك الطفلة المليئة بالندوب من شاب فقير بإصرار من أمي وبدافع من ظروف قاسية أرادت المسكينة التخلص منها ،
أتذكر أنها كانت محرومة حتى من الفوط الصحية فكانت تستعمل قطع الثوب وتغسلها لتعيد إستعمالها فيما بعد.
بعد زواجها عملت في مصنع وأعانت زوجها الذي هاجر للديار الإيطالية لتلتحق به بعد سنوات ،
وأتمنى أن تكون قد عوضت ذاك الحرمان الذي عاشته وتخلصت من آثار العذاب الذي عانته.
أما أخوها فقد إلتحق بالوظيفة العمومية وبقي في المغرب حينما كنت مغتربا في الخليج طيلة فترات زرت فيها البلد مرتين فقط ،
وفي كل مرة أرى فيها أمي وهي تشيخ وتمسك عقد التسبيح وهي تحرك رأسها وتتمتم بكلمات الذكر
( سبحان الله ، الحمد لله ، الله أكبر )
إقرأ أيضا: 10 سنوات حافي القدمين حزنا على زوجته
أتذكر كيف كانت تكذب على أبي لتستشيط غضبه على ذاك الطفلين وكيف كانت تنافق في معاملتهما أمامه مدعية اللطف .
وفي الزيارة الثالثة لي للمغرب تزوجت وأخذت زوجتي معي مدة 4 سنوات ،
قبل أن أتلقى مكالمة هاتفية من والدي الذي أخبرني أن الأم تحتضر.
عدت بعجالة لكني وجدتها قد سلمت الروح لخالقها.
وأثناء الدفن إلتقيت بأخي الغير الشقيق ، فكان حسن الهندام وتبدو عليه علامات الوقار ،
ساعدنا في وضع جسدها في القبر الضيق الذي أتمنى من الله أن لا يضيق عليها أكثر لما فعلته.
نظرت إليه وأنا أبكي ثم عانقته وهمست في أذنه قائلا : ” أرجو أن تكون قد سامحتها “
فأجاب : سامحتها لكني لم أنسى ما فعلته بي.
لم أفهم المغزى من ذاك الجواب ، لكن إستفسرته لاحقا فعلق قائلا :
كيف أنساها وأنا كلما أزلت ملابسي أرى تلك الندوب على بطني فأتذكرها وأحس بنفس الالآم كالتي أحسست بها في اليوم الأول.
كان يمسك يد طفل صغير فانحنيت لأقبله وأربت على كتفه طالبا له الهداية ،
ثم رحلا معا وأنا أفكر في كل ما قاله.
أتمنى أن لا يربي ذاك الطفل على الحقد تجاه أمي الراحلة وأن لا يلقى نفس المعاملة من إمرأة أخرى غير أمه.
أما أخته التي تعيش بإيطاليا فلم تزرنا قط ولم تبالي بوفاة أمي ولا إتصلت بنا.
كرهت كل شخص منا حتى أبي ، سمعت أنها تعمل هنالك وهي أم لتوأم ، لم أرها منذ اليوم الذي غادرت فيه البلاد.
أما أختي وأخي فظلا يكنان الحقد لأخويهما وذلك نتاج للأفكار التي زرعتهما فيهما الراحلة ،
والتي لم تلقى تجاوبا لدي لسبب لا أعرفه.
فلا زالت شقيقتي تنعث أختي بالخادمة وأخاها بعود القصب لأنه كان نحيفا في صغره.
أتمنى أن تكون هذه القصة عبرة لكل من تابعها وكلف نفسه عناء قراءة هذه الأسطر ،
فحاولوا أيها الرجال مراقبة زوجتكم الثانية في معاملتها مع أطفال الزوجة الأولى ،
وحاولن أيتها النسوة أن تعاملن أطفال الغير كأطفالكن أو على الأقل لا تؤذينهم ولا تحرمنهم من طفولتهم.