قصة الأستاذ خالد الجزء الثالث
رجع خالد إلى منزله وهو غير مصدق مما يحصل معه فقد أحس بأنه أمام معادلة اللامتناهية وكثيرة الاحتمالات ،
وكلما وضع إفتراض وجد أمامه مدلول جديد ومتتاليات أخرى وكلها مربوط بمعامل المجهول والذي لم يتوصل إليه لحد الأن.
فأصبح يشك في كل من حوله ، فهل يمكن أن الفاعل ذكر وليس أنثى ،
ولما لا فكل شيء وارد ومن دون استثناء ، فيمكن أن يكون الموضوع خارج إطار العلاقات السابقة مثلا.
وربما هو بدافع تصفية حسابات قديمة مع شخص ما أو هو محاولة للتخلص منه باعتباره منافسا في شيء أخر.
فقد يكون ذلك الشخص مدير الثانوية مثلا ، فهو إنسان أناني جدا وجاهل وهو مكروه من كل الأساتذة ،
إضافة إلى أنه لا يملك أي ثقة في نفسه ويخشى من أي أفكار متجددة بسبب عقله المتحجر والبدائي.
ولكن هل يمكن لشخص مثله أن يفكر في ذلك؟
لا أبدا مستحيل لسلحفاة مثله أن يخطر في باله هذا الأمر ، فعقله الصغير بحاجة إلى نمو أكبر حتى يفكر في مثل هذه الأفكار الشيطانية ،
فإن لم يكن مدير المدرسة فمن يا ترى فهل يعقل أن يكون! عباس؟
لا ، لا مستحيل.
ولماذا مستحيل يا خالد ، فهو واحد من دائرة معارفي ويعرف كل شيء عني ،
فربما فعل ذلك طمعا في منصب رئيس القسم الذي أتنافس معه فيه.
ولكن مهلا فعباس هو من أخذني بيده للمقبرة ذلك اليوم ، وهو من أخبرني أن جمعية التنقيب عن السحر والشعوذة تعمل كل شهر بين المقابر ،
فهل يعقل أن يفضح نفسه بهذه السهولة ويأخذني إلى حيث يدفن السحر؟
لا أتوقع أنه بهذا الغباء لا ، عباس لن يفعل ذلك ،
وحتى وإن رأيته بأم عيني يفعلها فلن أصدق ، ويجب أن أخرجه من دائرة الشك وسأبحث عن غيره.
إقرأ أيضا: المتاهة العجيبة الجزء الأول
قضى الأستاذ خالد ليلته يفكر في من يكون ذلك الشخص الذي دفن صورته في المقبرة وكتب عليها طلاسم السحر ،
فلم يستطيع أن يتوصل إلى أي نتيجة مضمونة.
وفي الصباح التالي وصل إلى مدرسة الثانوية وراح يتفحص أوجه كل من يصادفهم ،
لعله يلاحظ نظرة غير طبيعية قد يشاهدها في وجه أحدهم ويتوصل من خلالها إلى الفاعل.
فكانت نظرات الجميع عادية بما فيهم مدير الثانوية الذي وصل باكرا كعادته ليتابع مواعيد حضور الأساتذة ويقف لطابور تحية العلم.
دخل إلى مكتبه في قاعة الأساتذة ، فوجد فتاة التنظيف سميرة كعادتها مشغولة في ترتيب الغرفة ،
لم تنتبه لدخوله ولما التفتت خلفها ، إذا بها تجده واقف من وراءها فصرخت في فزع.
فقال الأستاذ خالد معتذرا : عفوا هل أفزعتك؟
فقالت سميرة وهي لا تزال تتنهد من الخوف : أعتذر منك أستاذ خالد ، لم أنتبه لدخولك فقد كنت مشغولة بتنظيف المكاتب.
توجه خالد إلى خزانته الخاصة ولما فتحها لم يجد دفاتر التي وضعها البارحة ،
فأثار هذا الأمر شكوكه والتفت الى سميرة التي كانت تمسح المكاتب بسرعة ويديها ترتجف.
فاقترب منها ببطء ونظرة الشك والرتب في ملامحه وقال :
سميرة أين الدفاتر التي وضعاها البارحة في الخزانة ، أنا متاكد أنني قد وضتعها في الرف بشكل منظم ولن تسقط منه.
توقفت سميرة عن مسح المكتب ورفعت وجهها نحوه وملامح الخوف والإرتباك تكاد تقسم وجهها وقالت :
في الحقيقة انا متأسفة جدا يا أستاذ خالد ، جئت أرتب الخزانات هذا الصباح ووضعتهم مع دفاتر الأستاذ عباس دون أن أنتبه ،
واختلطت لي مع دفاتره ستجدهم بداخل خزانته مع دفاتره الخاصة.
إقرأ أيضا: قصة الأستاذ خالد الجزء الرابع
راح أستاذ خالد ينظر إليها بعمق ويحاول أن يفهم سبب هذا الخوف والارتباك الذي يبدوا عليها ،
فنظراتها الجريئة ووجهها المرتعد يوحي أن من وراها قصة ما ، فهل يعقل أن تكون سميرة فتاة النظافة هي الفاعل.
حملت سميرة مكنستها مع الدلو وخرقة القماش التي تنظف بها بسرعة وخرجت من الغرفة دون أن تكمل التنظيف ،
فتبعها خالد وراح ينظر إليها فشاهدها تمشي مسرعة وتنظر إليه من خلفها ، فأثار هذا الأمر شكوكه أكثر وأكثر.
وفي تلك الأثناء دخل عليه صديقه الأستاذ عباس ولاحظ وقفته وهو شارد ، فيقرب منه ويسلم عليه قائلا :
صباح الخير أستاذ خالد كيف حالك؟
ما به وجهك مخطوف هكذا هل جرى لك شيء؟!
رفع أستاذ خالد وجهه باتجاه صديقه وقال : ربما توصلت إلى غريمي وعرفت من هو الفاعل؟
يتبع ..