قصة الحمو الموت الجزء الأول
جلس خالد على مكتبه مهموما حزينا ولاحظ زميله في العمل صالح ذلك الوجوم والحزن على وجهه ،
فقام عن مكتبه واقترب من خالد وقال له: خالد نحن إخوة وأصدقاء قبل أن نكون زملاء عمل ،
وقد لاحظت عليك منذ قرابة أسبوع أنك دائم التفكير ، كثير الشرود ، وعلامات الهم والحزن بادية عليك ،
وكأنك تحمل هموم الدنيا جميعها ، فإنه كما تعلم الناس للناس.
سكت خالد قليلا ثم قال أشكرك يا صالح على هذا الشعور النبيل وأنا أشعر فعلا أنني بحاجة إلى شخص أبثه همومي ومشاكلي ،
عسى أن يساعدني في حلها.
اعتدل خالد في جلسته وسكب لزميله صالح كوباً من الشاي ثم قال :
القضية يا صالح أنني كما تعلم متزوج منذ قرابة الثمانية أشهر وأعيش أنا وزوجتي في البيت بمفردنا ،
ولكن المشكلة تكمن في أن أخي الأصغر (حمد) ذا العشرين عاماً أنهى دراسته الثانوية وتم قبوله في الجامعة هنا ،
وسيأتي إلى هنا بعد أسبوع أو أسبوعين ليبدأ دراسته.
ولذا فقد طلب مني أبي وأمي وبإصرار وإلحاح شديدين أن يسكن حمد معي في منزلي بدلاً من أن يسكن مع بعض زملائه الطلاب في شقة من شقق العزاب ،
لأنهم يخشون عليه من الانحراف والضياع!
فإن هذه الشقق كما تعلم تجمع من هب ودب والغث والسمين والمؤدب والضائع ، وكما تعلم فالصاحب ساحب.
رفضت ذلك بشدة لأنه كما لا يخفاك شاب مراهق ووجوده في منزلي خطر كبير ،
وكلنا مرت بنا فترة الشباب والمراهقة ونعرفها جيداً وقد أخرج من المنزل أحياناً وهو نائم في غرفته ،
وقد أتغيب عن المنزل أحياناً لعدة أيام بسبب ظروف العمل.
إقرأ أيضا: صياد الحمام والوالي
ولا أكتمك سراً أنني قد استفتيت أحد المشايخ الفضلاء في هذا الموضوع فحذرني من السماح لأي شخص ولو كان أخي بأن يسكن معي ومع زوجتي في المنزل ،
وذكر لي قول النبي صل الله عليه وسلم في هذا المجال (الحمو الموت ) ،
أي أنه أخطر شيء على الزوجة هم أقارب زوجها كأخيه وعمه وخاله وأبنائهم ،
لأن هؤلاء يدخلون البيت بكل سهولة ولا يشك فيهم أحد ومن هنا تكون الفتنة بهم أعظم وأشر.
ثم إنه لا يخفاك يا صالح أن المرء يريد أن يخلو بزوجته وحدهما في بيته حتى يأخذ راحته معها بشكل أكبر ،
وهذا لا يمكن أن يتحقق مع وجود أخي حمد في المنزل.
سكت خالد قليلا وتناول رشفة من كوب الشاي الذي أمامه ثم تابع قليلا ،
وحين وضحت لأبي وأمي هذه الأمور وشرحت لهما وجه نظري وأقسمت لهم بالله العظيم أنني أتمنى لأخي حمد كل خير ،
غضبوا مني وهاجموني عند الأقارب واتهموني بالعقوق ووصفوني بأنني مريض القلب وسيء النية خبيث القصد ،
لأنني أسيء الظن بأخي مع أنه لا يعتبر زوجتي إلا مثل أخته الكبرى.
ووصفوني بأنني حسود حقود أكره لأخي الخير ولا أريده أن يكمل تعليمه الجامعي.
والأشد من كل هذا يا صالح أن أبي هددني قائلا : هذه فضيحة كبيرة بين الناس ،
كيف يسكن أخوك مع الأغراب وبيتك موجود ، والله إن لم يسكن حمد معك لأغضبن عليك أنا وأمك إلى أن نموت ،
ولا نعرفك ولا تعرفنا بعد اليوم ونحن متبرئون منك في الدنيا قبل الآخرة.
أطرق خالد برأسه قليلا ثم قال وأنا الآن حائر تائه فمن جهة أريد أن أرضي أبي وأمي ،
ومن جهة لا أريد أن أضحي بسعادتي الأسرية ، فما رأيك يا صالح في هذه المشكلة العويصة؟
إقرأ أيضا: لن أنسى قط ما حدث ما دمت حيًا
اعتدل صالح في جلسته ثم قال : بالتأكيد أنت تريد رأيي في الموضوع بكل صراحة ووضوح ،
ولذا اسمح لي يا خالد أن أقول لك إنك شخص موسوس وشكاك ،
وإلا فما الداعي لكل هذه المشاكل والخلافات مع والديك ،
ألا تعلم أن رضا الله في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما ،
وإذا سكن أخوك معك في منزل واحد فإنه سيقوم بشؤون وحوائج البيت في حال تغيبك لأي سبب من الأسباب وسيكون رجل البيت في حال غيابك.
سكت صاح قليلا ليرى أثر كلامه على وجه خالد ثم تابع قائلا :
ثم إني أسألك لماذا سوء الظن بأخيك ولماذا تتهم الأبرياء بدون دليل أنسيت قول الله :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) [سورة الحجرات ، الآية: 12].
أخبرني ألست واثقاً من زوجتك ، ألست واثقاً من أخيك.
فقاطعه خالد قائلاً أنا واثق من زوجتي ومن أخي ولكن ،
فقاطعه صالح معاتباً قائلاً عدنا إلى الشكوك والأوهام والتخيلات ، ثق يا خالد أن أخاك حمد سيكون هو الراعي الأمين لبيتك في حال حضورك وفي حال غيابك ،
ولا يمكن أن تسول له نفسه أن يقترب من زوجة أخيه ، لأنه ينظر إليها وكأنها أخته.
واسأل نفسك يا خالد لو كان أخوك حمد متزوجاً هل كنت ستفكر في التحرش بزوجته أو التعرض لها بسوء ،
أظن أن الجواب معروف لديك.
خالد لماذا تخسر والدك وأمك وأخاك وتفرق شمل العائلة وتشتت الأسرة من أجل أوهام وتخيلات وشكوك واحتمالات لا حقيقة لها ،
فكن عاقلاً وأرض أباك وأمك ليرضى الله عنك ،
وإرضاء لشكوكك ووساوسك أنصحك أن تجعل حمد في القسم الأمامي من المنزل ،
وتغلق الباب الفاصل بين القسم الأمامي وبقية غرف المنزل.
إقرأ أيضا: قصة الحمو الموت الجزء الثاني
اقتنع خالد بكلام زميله صالح ولم يكن أمامه مفر من القبول بأن يسكن أخوه حمد معه في المنزل.
بعد أيام وصل حمد إلى المطار واستقبله خالد ثم توجها سوياً إلى منزل خالد ليقيم حمد في القسم الأمامي وسارت الأمور على هذا المنوال.
ودارت الأيام دورتها المقدرة لها في علم الله تعالى وها نحن الآن بعد أربع سنوات ،
وها هو خالد قد بلغ الثلاثين من عمره وأصبح أباً لثلاثة أطفال ،
وها هو حمد في السنة الدراسية الأخيرة له وقد أوشك على التخرج من الجامعة ،
وقد وعده أخوه خالد بأن يسعى له بوظيفة مناسبة في الجامعة وبأن يبقى معه في المنزل نفسه حتى يتزوج وينتقل مع زوجته إلى منزله الخاص به.
يتبع ..