قصة تحمل في طياتها عبرة الجزء الأخير
بعد أن عاد الإبن إلى القصر ومعه المشروبات ، أتى الأب لتناول الغداء ، وإمضاء بقية اليوم برفقة زوجته قبل سفره.
أمضى الإبن بقية اليوم في المطبخ ، يُحضّر أطيب أنواع الطعام ليتناولها مع زوجة أبيه بعد سفر والده.
في اللحظة التي ودَّع بها الأب زوجته وابنه ثم خرج من البيت ، طلب الإبن من زوجة أبيه أن ترتدي أجمل ثيابها وتخرج ليتناولا الطعام.
لم تفهم طلب ابن زوجها ، لكنها ارتدت أجمل ثيابها وخرجت إليه بعد ربع ساعة ، فإذا به قد جهّز مائدة تُقَدَّم لملكات ،
فوقفت مكانها للحظات دون أن تنطق بكلمة ، فقد كانت الأجواء رومانسية لدرجة أذهَلَتها ، فقال لها :
حبيبتي ، لماذا لا تزالينَ واقفة ، اجلسي.
ثم أزاح الكرسي لتجلس والذهول يغمرها أكثر بعد سماع كلمة حبيبتي.
تناولا الطعام بصمت ، ولأنها كانت تتناول لقمة وتسرح بالطبق دقائق ، جلس على الكرسي الذي بجانبها ،
وقام بإطعامها اللقيمات واحدة تلو الأخرى.
بعد أن شبعا أحضر المشروبات الكحولية ، وحاول أن يجعلها ترتشف رشفة منها ،
لكنها لم تشعر بالاطمئنان لرائحتها الكريهة ، فرفضت أن تحتسيها ، مما جعله يمسك يدها ويحاول إجبارها ،
وفي اللحظة التي اقترب منها أكثر وهو يقول لها :
هيا يا حبيبتي ، بعد أول رشفة ستحلقين لعالم آخر.
كان والده يفتح الباب خلسة خشية إيقاظهما من النوم ، وما إن رآه حتى صرخ قائلا : أيها الحقير.
ارتعشت ركبتا الإبن خوفاً ، وتراجعت الزوجة إلى الوراء ، وبلحظة انقضَّ الأب على ابنه وصفعه بقوة ،
فوقف الإبن وهو مقطب الجبين وقال : ما هو ذنبي حتى تصفعني ، لقد أصرَّت زوجتك على أن نسهر معاً ونمضي الليلة في غرفة واحدة.
إقرأ أيضا: رجل له بنتان
كادت أن تتمزق جفونها من هول الصدمة ، وانهمرت دموعها وهي تقول :
صدقني إنه يكذب ، فقد كنت أعتقد أننا سنتجاذب أطراف الحديث ، ونلعب معاً كما كنا ونحن صغار.
فنظر الأب إلى الورود والشموع الحمراء ، وإلى كؤوس النبيذ ، مما جعله يعطي ابنه لكمة قوية طرحته أرضاً ، وانهال بصفعه مرات متتالية.
رجَته زوجته مراراً وتكراراً أن يبتعد عن ابنه ، مما جعله يبتعد عنه ويقول له :
أخرج من منزلي وإلى الأبد ، فأنا من أخطأت عندما اعتقدت أنَّ شخصاً أخلاقه سيئة مثلك ، سيتغير يوماً ما للأفضل.
فصرخ بوجهه قائلا : كنت سأطعنك بزوجتك لتندم على زواجك بعد أمي ،
ولأني لم أستطع فأنا أقسم أني سأبيع نصف ممتلكاتك التي نقلتها لاسمي لألدِّ خصومك وبأرخص الأسعار.
ثم خرج من المنزل ، فجَثَى الأب على ركبتيه وانهمرت دموعه بصمت ،
وبعد لحظات رفع رأسه فإذا بزوجته تنظر له بعينين مغرورقتين بالدموع وقلبها يرتعش خوفاً من أن يضربها ، ثم قالت له :
أرجوك سامحني ، فأنا أحببت إمضاء الوقت معه ، فقط لأنه يجايلني في العمر.
فاقترب منها قائلا : أريد منكِ أن تسامحيني على زواجي منك ، فأنا لا أقل إجراماً عن والديك الَّذَان باعاك لرجل بعمر أباك.
ثم انسحب لغرفته وغطَّ في نوم عميق ، أما هي فلم تجرؤ أن تنام بجانبه خشية من أن يصحو من نومه ويضربها ، فنامت في غرفة الضيوف.
في صباح اليوم التالي ، دق الباب فاستيقظ الغني وفتحه فإذا به رجل وامرأة ، قالا له :
سيدي نحن من سنعمل عندك في القصر من الآن فصاعداً.
أشكركما على قدومكما ، لكني أعدت الخَدَم السابقين للعمل.
ثم دخل فنادى زوجته وقال لها : قولي الصدق ، أليس ابني هو من حرَّضكِ على أن تطلبي مني طَردَ والداكِ.
فنكَسَت رأسها قائلة : نعم.
إقرأ أيضا: لا تزال مراهقة
لقد كان سيء الخُلق منذ طفولته ، وقد بذلنا أنا ووالدته ما بوسعنا لكي نجعل أخلاقه حسنة قدر الإمكان ،
لكن دلالنا له قد جعل منه شاباً قذراً في مرحلة مراهقته وازداد قذارة كلما كبر ،
أحمد الله لأنَّ صاحب الشركة في البلد التي كنت سأسافر إليها قد ألغى اجتماعنا في آخر لحظة بسبب وضع طارئ خاص به ،
لكي أكشفه على حقيقته وأحميكِ من مستقبل أسود كان سينتظركِ بسببه.
ذهب الغني لإعداد الفطور وهو يقول في قرارة نفسه : كم أشتاق للأيام التي كنت أعدُّ بها الفطور مع المرحومة زوجتي.
بعد أن انتهى من إعداد المنضدة نادى زوجته لتناول الطعام وبعد أن شبعا قال لها :
سيعودا والداكِ للعمل في القصر خَدَماً كما كانوا ،
ففي الحياة أشخاص قد خلقهم الله أقلَّ من غيرهم وقدَّر لهم أن يعيشوا في نفس الوضع طيلة حياتهم ،
بسبب نفوسهم الدنيئة الطامعة التي لا تشبع ولا تقتنع.
ولأنهما استغلَّا حزني على زوجتي لم يكترثا لكونك قاصر طمعاً بمالي ، لذلك أخشى عليكِ من والداكِ إن قمت بتطليقكِ ،
فستبقين زوجتي على الورق لحين إتمامكِ الثامنة عشرة ولن أقترب منكِ ما حييت ،
ولكِ حرية الرأي بالإستمرار معي أم الطلاق ولحينها ستعودين للمدرسة وسواءً استمريتِ معي أم طلبتي الطلاق ،
فأنا سأتكفل بمصاريف جامعتكِ لحين تخرجكِ ، وسأكتب لكِ نصف ما بقيَ من مملتكاتي وأنا على قيد الحياة ،
وفي حال وفاتي سأكتب لكِ النصف الباقي.
عانَقَته بحرارة وشعرَت بأنَّ قلبها يحلق من الفرح.
قبَّل جبينها قائلا : اذهبي ونادي والداكِ.
بعد أن حضرا قال لهما بنبرة ضيق : زوجتي ستعود للدراسة وأنتما ستعودان لخدمتنا كما قضيتما حياتكما ،
وإن قام أحدكما بمضايقة زوجتي فسأطرده بلا رحمة.
إقرأ أيضا: بائعة الحلوى
لم ينبسا ببنت شفة خشية من أن يطردهما في نفس اللحظة.
عادت زوجته للدراسة ، وبعد مضي فترة اتصل به ألد خصومه وقال له : سآتي لزيارتك مساء.
كاد أن يتوقف قلبه من الحزن ، فقد أيقن أنه سيقوم بإغاظته وهو يقول له ، لقد باعني ابنك نصف أملاكك التي جنيتها طيلة حياتك بأبخس الأثمان ،
وأني سأشاركك كل شيء ، لكن وعند حلول المساء أتى ذلك الخَصم وقال له :
لقد باعني ابنك كل الممتلكات التي نقلتها له حتى نصف شركاتك ومصانعك بأرخص الأسعار ،
لكننا حتى لو كنا خصوماً في العمل فنحن أخوة بلد واحدة ،
ولذلك سأعيد كل ممتلكاتك لك على أن تعيد لي ما دفعته لابنك بالوقت الذي يحلو لك ،
وخذ وقتك بإعادة النقود حتى لو انتظرتك سنين فأنا دفعت نقوداً قليلة بالنسبة لي ولن تؤثر على عملي.
عانقه الغني والدموع تنهمر من عينيه وقال :
أشكرك يا أخي .
بعد مضي أشهر دخل الغني مع ألدّ خصومه بشراكة في جميع أعمالهما جنت عليهما أرباحاً وفيرة ،
ضاعفت أرزاقهما مما جعل الغني يردُّ دين شريكه.
مضت سنتان ذهبت زوجته بها إلى المدرسة بشكل يومي ،
وطوال تلك المدة عاملها الغني بكل لطف ومودة ووفى بوعده لها بعدم الإقتراب منها.
استمرت بمعاملة والداها كالغرباء وتجنبا الحديث معها كابنتهما خشية من رد فعل زوجها ،
إلى أن نجحت في الثانوية العامة بمعدِّل سمح لها بدخول كلية الطب البشري ،
حينها سألها الغني عما إن كانت تريد الطلاق فردَّت : لن أبتعد عمن كان أرحم معي من والداي.
بعد فترة قصيرة نقل الغني نصف أملاكه لاسمها.
إقرأ أيضا: جاءني والد فتاة يقص عليّ ما تتفوه به تلك الصغيرة
إلى أن وصل للغني خبر عن ابنه ، بأنه قد خسر كل النقود التي أخذها لقاء بيع أملاكه ، في المقامرة مع بائع مواد مخدرة ،
واستدان منه على أمل الربح وتعويض خسارته ، مما اضطره للعمل عنده ببيع المواد المخدرة لقاء طعامه وشرابه إلى أن يوفي بدينه ، حفاظاً على حياته.
لم يتأثر الغني بما سمع عن ابنه وقال : يجب أن يأخذ جزاء ما اقترفَتْ يداه.
مضت سنة تلو الأخرى نجحت بها الزوجة بمعدّل مرتفع ، إلى أن تخرجت من الجامعة ،
مما جعل الغني يقيم احتفالاً لها دعا إليه الرجال والنساء من أرقى طبقات المجتمع ،
وأعطاها بقية أملاكه هدية نجاحها ، لكن لم تمضِ فترة قصيرة حتى مرض مرضاً شديداً جعله طريح الفراش لأشهر ،
فاعتنت به في الليل والنهار ، ولم تنم أياماً خشية من أن يحصل له مكروه وهي نائمة ،
إلى أن وفاته المنيّة في ليلة نام بها ولم يستيقظ.
تأثر والداها بوفاة الغني كثيراً ، فحاولا استعطاف ابنتهما بأن تعاملهما كوالديها وتريحهما في آخر أيامها ،
بعد أن طلبا منها السماح واعترفا بذنبهما ، مما جعلها تسامحهما وتنقلهما للعيش معها في القصر وتوظف أناساً لخدمتهما.
استمرت بإدارة أعماله بعد وفاته ، وممارسة مهنة الطب ، وبعد سنوات فتحت مشفى يحمل اسم المرحوم زوجها ،
لتتفاجأ بعد مدة قصيرة أنَّ ابن زوجها تم نقله لقسم التعافي من إدمان المخدرات.
لم يعرفها بعد أن ألقت التحية عليه فقد أثّرت المخدرات على عقله وإدراكه .
حزنت لما آل إليه حاله فحاولت العناية به قدر الإمكان ، بأن توصي الأطباء بمعاملته معاملة خاصة وزيارته بشكل يومي ،
لكنه لم يستطع تحمل وضعه مما جعل ينتحر في منتصف الليل داخل غرفته.