قصة حدثت في الديار المقدسة
قصة حدثت في الديار المقدسة
فاطمة : كنت في الحج قبل 5 سنوات بعدما تم إختيار إسمي في قرعة قامت بها الشركة التي أعمل فيها.
وبينما أقضي مناسكه إذ برجل عجوز بدا عليه التعب يمسك بيدي ونحن نطوف ،
ساعدته ثم رافقته وجلسنا في مكان منزوي داخل المنزل ،
ناولني القليل من التمر قبل أن يتكلم ويسألني من أين أتيت.
أخبرته أنني من المغرب فابتسم وقال أنه من الجزائر ، نظر إلي نظرة الجامد الذي طاله السهو حتى نسي نفسه فقال :
هل أنت متزوج يا بني؟ أجبته بالنفي ليقول : وهل تحب فتاة ما؟
طأطأت رأسي خجلا من قوله ذاك ، ثم أجبت هامسا لا يا عمي.
وضع يده التي تتخللها عروق دم كأنها أنهار تتخل أرضا قاحلة ليقول :
إياك وإياك يا بني أن توهم فتاة بالحب ، أوصيك وأنا في مقام جدك أن لا تخون قلبا أحبك ،
فالنساء يا بني يعشقن بقلبهن وجوارحهن وكل شيء ما فيهن.
أجابته قائلا : أعلم يا جدي وليس هذا المكان المقدس صالحا لمثل هذه المواضيع ، ألا تتفق معي؟
نظر إلي ليجيب : لا أتفق معك فالحب يا بني ليس جريمة ، الحب هو أساس الدين كله.
حسنا عمي ولكن ما السبب وراء قولك ذاك؟
شرب جرعة ماء ثم قال : سأخبرك قصة لا هي بالقديمة كما يقول الشيوخ ولا هي بالجديدة حتى لا أكون كاذبا.
حسنا عمي كلي آذان صاغية.
أنا يا بني كنت مهاجرا بفرنسا لعدة عقود ، عملت هنالك وكونت أسرتي في ذاك البلد ،
وبعد التقاعد قررت العودة للجزائر ، توفيت زوجتي وتركت أبنائي هنالك ،
عشت وحيدا في مسقط رأسي حيث كرست ما تبقى من حياتي للعمل في سبيل الله.
فكنت أنظف المسجد وأهتم بأموره بقرب ذاك المسجد كانت مقبرة أقضي فيها فترات متقطعة من يومي ،
فتارة أقوم بنزع الأعشاب عنها ، وتارة أحفر قبرا إن علمت أن هنالك جنازة.
إقرأ أيضا: حين قرأت قصة زيارة الأخ لأخته تأثرت بها وزرت أختي
وفي أحد الأيام كانت هنالك جنازة شاب في مقتبل عمره ، ما علمت للأمانة سبب وفاته.
لكن كمية الدموع التي إنهارت لرحيله كانت كثيرة ، صلينا عليه ثم دفناه ليلاقي قدره.
لكن عشية ذاك اليوم ، وبالضبط قبل قبيل صلاة المغرب بقليل ، كنت جالسا وفي يدي عقد تسبيح أذكر به الله ،
إذ بي ألمح شبح إمرأة تدخل وهي مغطاة الوجه ، راقبتها عن بعد فإذا بها تنظر يمنة ويسرة خوفا من أن يراها أحد ،
بعدها إتجهت نحو قبر الشاب ، خلتها في البداية من اللواتي يأتين لنبش قبور الموتى حديثي الدفن لغرض السحر والشعوذة.
لكني تمهلت حتى أتيقن من شكوكي ، لكنها رفعت عنها النقاب ثم جلست على ركبتيها وبدأت تبكي بكاء شديدا حتى قطعت قلبي من شدة النحيب الذي سمعته منها ،
بكت بحرقة شديدة لزمن ليس بالهين.
ذهبت بعدها لصلاة المغرب وحين عودتي لم أجد المسكينة في المكان ، تفقدت القبر فوجدته كما هو.
وفي اليوم الموالي عادت وقامت بنفس الشيء ، توالت زياراتها حتى تملكني فضول قاتل لأعرف من هي.
إقتربت منها ذات عشية وما أن أحست بوجودي حتى سارعت بتغطية وجهها الشاب ،
كنت قد تأكدت من ملامحها وأنا الذي يراقبها منذ أيام ، أخبرتها
( يا بنيتي إن البكاء على الميت يعذبه في قبره ، أدعو له بالرحمة والغفران).
أجابت بصوت خافت خرج من حنجرة أتعبها النحيب والبكاء لتقول ( وأنا من سيرحمني يا عم ؟
هو رحل وارتاح ، أنا التي تتعذب يا عم ).
ربت على كتفها محاولا مواساتها لأقول 🙁 فلتأمني بالله يا بنيتي ، هو القضاء والقدر ، ولا مفر منهما ).
لم تجب ورحلت بعد ذلك بلحظات ، ظننت في البداية أنها زوجته ، إلى أن جاء يوم جاء فيه الإخوة لزيارة قبر أخيهم ،
نادوني كي أقرأ بضع أيات قرب القبر ، وعندما أنهيت أخبرتهم أنهم قصروا في حق أخيهم بعدم زيارته لأسابيع ،
وأن زوجته كانت أوفى منهم ، نظر الثلاثة بعضهم لبعض نظرات تعجب ليخبروني أن الراحل لم يكن متزوجا.
إقرأ أيضا: من قبل أن أعرف من سيكون زوجي كرهته
إنتباني كما إنتابهم فضول لمعرفة تلك الشابة ، عرفت منهم أن لا أخت لهم في تلك السن ،
وأنهم لا يعلمون أن لأخيهم خطيبة أو ربما حبيبة ، وفي نفس اليوم جائت في نفس الوقت وبنفس اللباس.
بكت بحرقة على القبر ثم رحلت ولكني لم أسألها عن ماهيتها ، فالجواب كان واضحا.
إستمر الحال على ما هو عليه فأصبحت تزوره ثلاث مرات في الأسبوع ، ثم إثنتين ولا زالت تبكي بنفس الحرقة ،
وكأنه توفى بالأمس فقط ، ثم جاء يوم نادتني فيه ولا زلت أتذكر أنه كان يوم جمعة ،
وكانت ذلك بعد الوفاة بأربعة أشهر تقريبا ، إقتربت منها فأخرجت مالا من حقيبتها وكانت مكشوفة الوجه ،
مدت إلي النقود وقالت ( بالله عليك يا شيخ ، إشتري بهذا المال لنفسك وللمساكين طعاما ثم أخبرهم أن يدعوا له بالرحمة ).
أخذت منها المال كصدقة للمحتاجين ثم طلبت أن أسألها سؤالا واحد فقط : ” من أنت؟
أجابتني بإجابة غريبة عجيبة فقالت : أنا النصف الذي بقي على قيد الحياة جسدا بلا روح.
ثم إسترسلت قائلة : سأتزوج يا شيخ ، لذا طلبت منك تلك الصدقة لتصل لروح الفقيد.
هذه آخر مرة آتي فيها لزيارته ، أدعو معي بالصبر على فراقه.
ثم رحلت تجر خطواتها الثقيلة وتمسح دموعها كأنه رحل للتو.
بعد بضع سنوات إلتقيت بها في المطار وأنا ذاهب لفرنسا لأغراض إدارية ،
لمحتها من بعيد وأنا ضعيف الذاكرة بسبب سني ، فلم أتعرف عليها في البداية حتى إقتربت مني وهي تدفع حمالة أطفال بها طفل جميل كأمه ،
سلمت علي ثم عادت أدراجها لغرفة الإنتظار.
عاد بي ذاك اللقاء للخلف لأعيد الأسطوانة كاملة كم حكيتها لك ، الحب موجود يا بني.
لكن إتقوا الله في الجنس اللطيف ، فهن حنونات عطوفات ولا يستحقن تلك المعاناة.