قصة هينة الجزء الأول
كانت هناك فتاة صغيرة تدعى هينة ، كانت تمضي وقتها كبقية بنات القرية في رعي الإبل ومساعدة أمها في أشغال البيت.
وذات يوم خرجت مع البنات لجمع الحطب من الغابة ، وبينما هي تحتطب إذ عثرت على مغزل ذهبي فخبّأته وسط حزامها ،
لكي لا تراه صديقاتها.
ولما فرغن من عملهن ، ومالت الشمس إلى الغروب ، حزمت كل واحدة حزمتها ، وهممن بالرّجوع إلا البنت هينة ،
فكلّما ربطت حزمتها إلا وتفككت وتشتت في الأرض.
ضاقت بها البنات ذرعا ، وانصرفن قبل أن يحلّ الظلام ، وفي النّهاية أخرجت هينة المغزل ،
وقالت في نفسها : سأخفيه ، وأرجع غدا لأخذه.
إختارت شجرة كبيرة ووضعته تحتها ورمت عليه بعض الأوراق الجافّة ،
وعندما إستدارت لتذهب وجدت أمامها غولا بشع المنظر ، وقال لها سأعاقبك عل سرقة المغزل ، فكلّ ما على هذه الأرض ملكي!
خافت هينة ، وبدأت في البكاء وقالت : كيف لبنت صغيرة أن تعلم ذلك؟
نظر إليها الغول ، وقال : سأسامحك هذه المرّة ، لكن إذا حدث وملّحت أمّك السّمن فانّي سآتي وآخذك.
تم تركها وانصرف ولم يبق له أثر.
ولمّا وصلت هينة إلى القرية حكت لأمّها كلّ ما جرى لها وكانت النّساء في ذلك الوقت يملّحن السّمن ،
ثم يضعنه في جرار فخارية ، ويدفنوها في التراب ولا يأكلن منه إلا بعد مرور سنة.
لكن أم هينة خشيت على إبنتها ، ودأبت على عدم تمليح السّمن ومرّت أعوام ،
وهينة تكبر إلى أن أصبحت شابة فائقة الجمال وتقدّم لخطبتها ابن عمّها يوسف وكان فتىً وسيما ، ووعدها أن مهرها مائة ناقة.
إقرأ أيضا: الظلم ظلمات قصة واقعية
فرحل ليجمع مهر ابنة عمه ، هذا ما كان من أمره.
أمّا ما كان من أمر هينة فإنّها بقيت في القرية ترعى ابل أبيها وتساعد أمّها كغيرها من البنات.
وفي إحدى الليالي جاء ضيوف لأمها ، وكرهت أن تطبخ لهم طعاما دون سمن مملّح ، فاستعارت من جارتها شيئا من سمنها.
وعندما ذاقت البنت من الطعام حزنت حزنا شديدا وقالت : لم تسمعي تحذيري يا أماه وانّ الغول لا محالة آت الليلة ،
أجابتها الأمّ لم نصنعه بأنفسنا وإنّما أخذناه من غيرنا!
لكنّ الغول الذي بهره جمال هينة وجدها فرصة ليأتي ويأخذها ، ولمّا أطلت البنت من الخيمة وجدته واقفا قرب الأوتاد ،
وقال بصوت قويّ كالرّعد : هينة مدّي لي قبسا من النّار ، أجابته : ستمّده لك أمّي!
قال : داهية لك ولها ، هات القبس ، أجابته : ستمدّه لك خالتي!
قَال : لا أبقاها الله ولا أبقاك ، هيّا أسرعي هات القبس ، أجابته ستمّده لك عمّتي!
قال : أعماك الله وأعماها ، لقد نفذ صبري ، القبس وإلا إنتقمت من القبيلة!
دخلت هينة الخيمة ، وأعطت ثيابها لوصيفتها ، وغطت لها رأسها.
وعندما خرجت وفي يدها قبس النار إختطفها الغول ، وجرى بها إلى عمق الغابة ، وهو يظن أنّها هينة.
لمّا وصل الغول إلى كهفه أزال الغطاء عن رأس البنت فإذا بها ليست هينة ، فاستشاط غضبا وحنقا ،
وعزم على الإحتيال عليها.
ذهب إلى طريق يمرّ منه التجار ، وكمن وراء شجرة عظيمة ، وبعد ساعة مرّ تاجر يقود قطيعا من الإبل ، فخرج له الغول ،
وقال له : سأتركك تمرّ سالما إذا أدّيت لي خدمة ، أمّا إذا رفضت فسيكون ما معك من الإبل طعاما لي!
إقرأ أيضا: الفتاة الطائشة وكمين الأنذال
خاف الرّجل ، وأجاب : سأنفّذ كلّ ما تريد ، فهذه الجمال كلّ ما أملك!
قال الغول : اسمع يا هذا سأتحوّل إلى فحل من الإبل ، وسأرافقك إلى السّوق فمن أعطاك مائة ، فقل له :
مائتان ، ومن قال مائتان : فقل له ثلاثة ، ومن قال ثلاث قل له أربع إلى أن يأتي والد هينة من أشراف قبيلة سي مسعود ،
فبعني له بالثّمن الذي يعطيك إياه ، هل فهمت؟
ثمّ تحوّل الغول إلى جمل مطواع ، وسار مع التاجر ، وعندما وصلوا إلى السّوق أعجب الناس بالجمل ، وتزايدوا حوله ،
وتغالوا في ثمنه ، وصاحبه يفعل ما أُمر به الغول في ردّهم إلى أن جاء أب هينة فتفحّص الجمل جيّدا فوجده فحلا نجيبا ،
فسأله كم ثمنه ، أجاب التاجر سآخذ ما تعطيني إياه ، قال أبو هينة : هل يرضيك خمسون دينارا ذهبيّا؟
أومأ إليه التاجر بالموافقة.
فأخذ والد هينة الجمل أمام صراخ الآخرين واحتجاجاتهم ، وذهب به إلى القرية وعلامات الفرح لا تفارق محياه ،
فهو فحل ليس لأحد مثله : سهل ، ومطواع وهي صفات قلّما تجتمع في فحول الإبل.
وبدأ الأطفال يلعبون حوله وهو ينظر لهم بلطف ، أمّا هينة فإنها لمّا رأته توشّحت بالسّواد وقالت لأبيها :
ويلي أتيت بعدوّي غول البرّ وضعته جنبي سأنهي بعيدا عمري وهكذا شاء قدري.
فقال لها أبوها : كيف يعقل أن يكون هذا الجمل عدوّك؟
فسكتت ، ولم تردّ عليه فهو لن يصدقها.
وفي الغد ناداها أبوها لترعى الإبل كالعادة ، لكنّها امتنعت وقالت له : لن أرعاها مادام ذلك الجمل فيها.
إقرأ أيضا: قصة هينة الجزء الثاني
واستمرت على حالها تلك يوما أو يومين ، فغضب منها أبوها ، وأرغمها على الخروج مع الجمال ،
فقامت والدموع تملأ عينيها وألقت أخر نظرة على القرية ، فلديها إحساس أنّها لن تراها بعد الآن
ولمّا ابتعدت قليلا رجع الغول إلى شكله ، فداهمها ، وقال لها :
لا أحد يمكنه الهروب مني يا هينة ، ثم وضعها فوق ظهره ، وراح يقطع بها الرّوابي والوديان.
ولمّا عادت الإبل في المساء لم تكن معها لا هينة ولا الجمل ، فأدرك أبوها صدقها وعرف أنه ظلمها ، وندم على عدم الإستماع إليها.
أمّا أمّها فلم تتوقف على النواح فلقد كانت إبنتها على وشك الزواج من إبن عمّها يوسف.
وعندما سمعت خديجة أمه بالخبر جاءتها ، وقالت لها : حينما يأتي إبني من سفره بماذا سأخبره؟
هل أعلمه بأنّكم فرّطتم في هينة ، وخطفها الغول؟
أجابت أم بأسى : سنقول إنها ماتت.
قالت خديجة : وإذا سأل عن قبرها؟ فكرت أم هينة قليلا ، وردت عليها نحفر قبرا ، ونضع فيه خشبة ،
فهو لن يجرأ على نبشه ، واخطبي له صبيّة أخرى ، فسينساها مع الزّمن.
يتبع ..