قصة وعبرة الجزء الثاني
قصة وعبرة الجزء الثاني
أمضى الزوج أياماً كمن كان مُغيَّباً عن وعيه ، ولم يتوقف عن الندم لحظة بعدم مصارحة زوجته برغبته أن يشعر بغيرتها عليه ،
مما جعله يقرر أن يبذل قصارى جهده إقناعها بعدم الطلاق.
وبعد مضي أسبوع اعتقد أنها قد هدأت ، وأنها ستعود معه على الفور ،
لكنها لم تتوقف يوماً عن البكاء وهي تتذكر لحظات الودّ والمحبة بينهما ،
ولم يخطر ببالها إلا صفاته الحسنة من طيبته وكرمه وحنانه عليها.
وروادها كثيراً شعور الندم لأنها لم تشعره بأنها تغار عليه ، وأنها لم تقل له ولا لمرة واحدة أنتَ لي وحدي ،
وبرغم ذلك كان الطلاق هو خيارها الوحيد.
عندما رأى والداها سوء وضعها ، لم يحاولا لحظة التأثير عليها ، واكتَفَيا بأن يقولا لها من اللحظة الأولى التي عادت بها إليهما :
هذا نصيبكِ ، سواءً أردتِ الإستمرار معه أم الطلاق.
إلى أن أتى لزيارتها ، فأراد والداها أن تتحدث معه على انفراد لتأخذ قرارها الأخير بكامل إرادتها.
لنعود لبعضنا كما كنا وننسى ما حصل ، وأعدكِ أن أشتري منزلاً خاصاً بها ، وتبقينَ بمنزلك.
فمن اللحظة التي خرجتي بها ، شعرتُ أنَّ الظلام قد حلَّ بالمنزل ، فأنتِ نوره وأنا أحبكِ من صميم قلبي.
في الحياة أموراً إن حدثَت فلا ينفع أن يعود شيءٌ بعدها كما كان ، أنتَ أخطأتَ لأنكَ لم تخبرني بما يزعجكَ ،
وأنا أخطأتُ لأني لم أُشعركَ بغيرتي عليك ، لأني وبابتعادي عنك أيقنتُ أني أحبك دون أن أعلم ،
فالتزامي بواجباتي الزوجية نحوك ، وسعيي أن أظهر أمامك بصورة الزوجة المثالية جعلني لا أشعر بأنَّ اهتمامي بتفاصيلك كان حبا ،
ولذلك لن أحتمل أن تشاركني بك إمرأة أخرى.
فقال على الفور بدون تردد : سأطلقها.
إقرأ أيضا: قصة شاب كان يعمل في محل لبيع الحلويات الشعبية
فتنهدت ثم تساقطت دموعها بصمت : حتى لو طلَّقتَها ، فزواجكَ قد كسَر الرابط بيننا ولن يعيده شيء ، أريد الطلاق.
فصرخ قائلا : لن تنالي الطلاق بأحلامكِ.
ثم خرج من المنزل على الفور بعد أن قال لوالدها : أرجوكما أقنعناها ، فأنا نادمٌ أشدَّ الندم على ما فعلت.
مشى في الشوارع محاولاً أن يهدأ ، فتساقطَت دموعه بصمت ، ولأنَّ دموعه لم تتساقط في حياته إلا لوفاة والداه ،
أيقنَ أنَّ مكانتها بقلبه لا تقل عنهما ، مما جعله يزداد إصراراً بأن لا يطلقها ،
لعلها تتراجع عن قرارها وتوافق أن تعود إليه ، بعد أن ترى تمسكه بها.
بعد مضي أيام قليلة ، قامت زوجته الأولى برفع دعوى طلاق ضده ، وما إن استلم البلاغ من المحكمة ، حتى جُنَّ جنونه وصرخ قائلاً :
لن أطلقها ، لن أطلقها.
حاولت زوجته الثانية تهدئته فصرخ بوجهها قائلا : لولا أن دخلتي لحياتي لما خرجت حبيبتي منها.
انهالت دموعها بصمت ولم تفتح فمها بكلمة ، ثم هرول من المنزل لبيت عائلتها ، دقَّ الباب كثيراً لدرجة أنَّ الجيران خرجوا وقالوا له :
رويدك على الباب ، فجيراننا ذهبوا إلى منزل أقربائهم ولن يعودوا في الوقت الحالي.
هرول كالمجنون وذهب لمنزل جميع أقرباء زوجته من طرف والدها ووالدتها ولكنه لم يكن يعلم بأنَّ ابن عمها قد عاد من سفره منذ أيام ،
فطلبت من والدَيها الذهاب إلى منزله والمبيت عنده لحين صدور حكم الطلاق لعلمها بأنَّ زوجها لن يتوقف عن مضايقتهم.
كل يوم مضى عليها كأنها تجلس على الجمر ، فبرغم أنها من طلبت الطلاق ، لكنه لم يكن بالأمر السهل ،
فإنهاء سنوات من حياتها مع شخص شاركها كافة تفاصيلها ، كانت كمن ينهي حياته بإرادته ، لعدم قدرته على مواجهة أحزانه ،
وزوجها بنفس الوقت لم يتوقف يوماً عن أن يُسمع زوجته الثانية كلاماً يؤلمها ، ليخفف ألمه بخسارة زوجته ، كأن يقول لها :
إقرأ أيضا: حكاية الأميرة ذهبية الشعر الجزء الأول
ما هذا الطعام الذي لا يؤكل ، ولماذا المنزل مُتَّسخ ، ولماذا ثيابي متسخة؟!
على الرغم من محاولاتها أن تبذل قصارى جهدها لتنال رضاه ، لكن عندما تقول له : أنا أبذل قصارى جهدي لإرضاءك.
ينتقض بوجهها قائلا : كان يجب أن تتعلمي النظافة والطبخ والترتيب من ضرتكِ ،
لو أنها عاشت معنا ولم تترك المنزل ، وكل ذلك أنتِ سببه.
وبرغم ألمها ودموعها لكنها لم تردّ بوجهه ولا لمرة واحدة.
إلى أن حلَّ موعد المحكمة ، ومن الجلسة الأولى أقرَّ القاضي بطلاقهما فلم يجد عذراً مقنعاً لزواجه الثاني ،
لاكتمال مواصفات الزوجة المثالية بزوجته الأولى.
شعر حينها أنَّ روحه قد فارقته ، مما جعله يصبُّ غضبه على زوجته التي تحملت جفاءه وغضبه وصراخه دون سبب مقنع ولمدة أشهر ،
إلى أن أتاه خبر من قريبته التي كانت صديقة طليقته :
طليقتكَ تزوجت ابن عمها ، الذي طلَّق زوجته لغيرتها الشديدة عليه وشكها الدائم به ، فلم يحتمل الحياة معها أكثر.
بعد محاولاته الدائمة بأن يؤكد لها بأنها الوحيدة في حياته ، ويشعرها بحبه لها ، لكنها كانت مريضة بالشك ،
بسبب خيانة والدها لوالدتها ، وهجرانه لها ، وعدم سؤاله حتى عن ابنته وهي مراهقة في أمسّ الحاجة لوالدها.
فما إن عادا لأرض الوطن حتى نزلَت عند أمها ، وبعد بضعة أيام سلَّمها ورقة طلاقها وبعد أشهر من طلاق ابن عمته عرَضَ الزواج عليها ، قائلا :
أعلمُ أنكِ حزينة وفقدتي ثقتكِ بالرجال ، لكن الحياة لن تقف عند شخص وبرغم كل شيء سنمضي قُدُماً ،
فلماذا لا نمضها مع أشخاصاً جُدد ونفتح صفحة جديدة بحياتنا!
إقرأ أيضا: تقول بعد شربه لقهوته أخذت الفنجان عنه
اقتنعت بكلامه وهي الآن تحيا أجمل أيام حياتها ، لاهتمامه وحبه بها ، وهي بنفس الوقت اهتمت بكافة تفاصيله ،
وتجنبت الخطأ الذي ارتَكَبَته عندما كانت معك ، فقد أصبحت تغار عليه ولكن الغيرة التي تحسسه بحبها له ، وبأنه ملكها وحدها ،
ولا يكون ذلك إلا في موقف مناسب حيث أنها تجنَّبت تضييق الخناق عليه كما فعلت زوجته الأولى ،
فمن شدة حبها به لطيبته وحنانه وكرمه أصبحت تخشى خسارته.
فكر بكلام قريبته كثيراً وقال في قرارة نفسه :
لماذا لا أفتح مع زوجتي صفحة جديدة ، فقد أصبحت شريكة حياتي للأبد ،
وسنتشارك مع بعضنا أدقَّ التفاصيل.
وعلى الفور ، استسمحها وطلب عفوها قائلا :
والله إنكِ إمرأة أصيلة ، تحملتي تقلباتي وغضبي دون أن تزيدي عليَّ ضيقي ،
ولا يستحق أحد أن نفكر به ونبقى معه سوى من تحمَّلَنا بأسوأ حالاتنا ووقف معنا لحين تعافي قلوبنا ،
وأنا لا أريد من الحياة سواكِ ، فأنتِ من وقفتي معي ولم تتخلي عني ،
وعهدٌ عليَّ أمام الله أن أعوِّضَكِ عن كل ما عشتيه في الشهور الماضية بسببي.
تساقطت دموعها من الفرح وعانَقَته قائلة : وأنا لا أريد من الحياة سواك.
عاش مع زوجته سنوات ملأتها الحب والمودة والرحمة وتجنَّب الخطأ الذي ارتكبه مع زوجته الأولى ،
بحيث أصبح يصارحها بكل شيء يزعجه ، مما جعلها تفعل كل شيء يسعده وتتجنب ما يزعجه.
أيقن الجميع أنَّ الطلاق وخسارة شريك الحياة ، ليس نهاية العالم ، بل هو نصيب يجب أن يرضوا به ،
فأحياناً نهاية علاقة تعني بداية لعلاقة أجمل مع شخص أنسبَ من سابقه ،
بعد أن يتم تجنب كل الأخطاء التي ارتكبوها في الزواج السابق.