قصص عن الزهد في الدنيا
قصص عن الزهد في الدنيا
يحكى أنه كان هناك علمًا من أعلام الصالحين ، وصفه أهل العلم ، والعلماء ، والصالحين ، ممن عاصروه بأن قالوا عنه ،
أنه عالي رفيع فقيه ، كما كان ذا ثقة ، ومأمونًا ، ناسكًا ، عابدًا ،
هذا بالإضافة إلى أنه كان ذا شأن عظيم في العلم ، يملك قدرًا كبيرًا من الفصاحة ، إلى جانب الوسامة ، والجمال.
وقد قال أحد الصحابة عنه : ” أنه لو كان أدرك صحابة رسول الله ، صل الله عليه وسلم ، لاحتاجوا إلى أخذ رأيه لا محالة ،
فقد كانت أمه رحمها الله ، خيرة مولاة لزوج النبي صل الله عليه وسلم ، وهي أم سلمة.
أما عن مولده ، فقد كان قبل نهاية خلافة أمير المؤمنين ، سيدنا عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، وأرضاه ، بعامين اثنين فقط.
كانت أمه غالبًا ما تخرج إلى السوق ، مما يجعلها كانت تدعه لدى أم سلمة ، رضي الله عنها وأرضاها ،
وكان كلما جاع ، تسرع أم سلمة ، وتقوم بتلقيمه من ثديها حتى تعلله به ، حتى ترجع إليه أمه ،
ويشاء الله سبحانه وتعالى ، أن تفوق رحمته كل شيء ، ويدر الثدي لبنًا ، فإذ بالطفل يقوم بالرضاعة منه ، إلى أن يرتوي.
فإذا به لا يرتوي لبنًا فقط ، وإنما يرتوي من الحكمة ، والبلاغة ، والفصاحة ، والتقط ، قسطًا كبيرًا ،
وبمجرد أن شب صاحبنا ذلك ، أضحت ينابيع الحكمة تنبع وتتلألأ من لسانه وقلبه ،
فإذا به يمتاز بجمال أسلوبه ، وفصاحة لسانه ، فضلًا عن رصانة عباراته ، والتي كانت تتحدر من كلامه.
فمن هو ذلك الشخص يا ترى؟ لا عجب فإنه أبو سعيد البصري ( الحسن بن أبي الحسن بن يسار ) ،
وقد اشتهر بين الناس في زمانه بالحسن البصري ، وهو الإمام الجليل ، وشيخ الإسلام الفاضل ، وقد نشأ إمامنا الجليل ،
في المدينة النبوية المنورة ، وقد حفظ القرآن الكريم في خلافة سيدنا عثمان بن عفان ،
وكثيرًا ما كانت أمه في أثناء صغره ، تقوم بإخراجه إلى الصحابة ، فكانوا يدعون إليه كثيرًا.
إقرأ أيضا: حكاية الرجل القرشي وامرأته هند
وقد كان من جملة ما دعاه له ، سيدنا عمر بن الخطاب أنه قد قال له في إحدى المرات :
” اللهم إني أسألك أن تفقهه في الدين ، وأن تحببه كثيرًا إلى الناس ” ،
وبالفعل استجاب الله إلى دعاء سيدنا عمر بن الخطاب ، وقد أصبح الحسن البصري فيما بعد فقيهًا جليلًا ،
وقد من الله عليه بالفهم الثابت ، حتى يتمكن من فهم كتاب الله ، عز وجل.
كما أنه كان محبوبًا بشدة إلى الناس ، فيذكر أنه قد لازم أبا هريرة ، رضي الله عنه وأرضاه ، وكذلك أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه ،
وقد تم حفظ الأحاديث النبوية الشريفة عنهم.
حيث كان كلما سمع حديثًا جديدًا ، لم يسمعه من قبل عن الرسول الكريم صل الله عليه وسلم ، هم بحفظه ،
وازداد بفضل الله إيمانًا ثابتًا ، وخوفًا ، وخشوعًا من الله ، جل علاه.
حتى أصبح الحسن البصري واحدًا من أعظم نساك التابعين ، وأضحى من أئمتهم ، ووعاظهم ، ودعاتهم الفريدين ،
وصار الناس كثيرًا ما يرجعون إليه في العديد من المشكلات ، والكثير من المسائل ،
وكان أهلًا للثقة بين الناس جميعًا ، واتسم بزهده ، وورعه الشديد بين الناس جميعًا ، وحتى بينه ، وبين نفسه ،
فلم يرغب في الغنى يومًا ما ، وإنما كرس حياته كلها في علوم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ،
مبتعدا كل البعد ، عن مظاهر الترف ، والأبهة.