قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ
قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
يهب الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء.
الملك لا يقتصر على الحكام والملوك ، قد تمنح أنت ملكا وسلطان المال أو الجاه.
منحك أسرة هو منح ملك وسلطان وهبة الله لك وهيأ أسبابا أرضية وبشرا قد لا تعرفهم لتكون رب أسرة ،
وعندما يشاء سيسبب أسبابا دنيوية لانتزاع هذا الملك.
فكثير ممن وهبوا سلطان المال والجاه وخيل لهم ديمومة السلطان ، انتزع منهم في أقل من طرفة عين وتبدَّل الحال.
ولنا في القصص القرآني عبرة ..
فقد أخبرنا رب العزة في سورة الكهف عن صاحب الجنتين الذي قيل فيه :
“وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا “(35)
الهبة والمنح لا بد أن يكونا بأسباب وعلى أيدي بشر لأن سنة الله ستنفذ من خلال مخلوقات الله ،
فيهيئ الله الأرض ومن عليها لمنح الملك ونزع الملك.
وهذا ما حدث لصاحب الجنتين كما جاء في سورة الكهف
“وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا “(42)
فناء الجنتين تم بأسباب كونية هيأها الله مثل الرياح والحرائق وغيرها من جنود الله.
الفناء هو صفة الدنيا ومن عليها والبقاء هو لله وحده الذي لا تأخذه سنة ولا نوم كما ورد في آية الكرسي
” اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ”
وقال تعالى في سورة الرحمن “ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام” (27)
إقرأ أيضا: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا
“الباقي” اسم من أسماء الله الحسنى ، ومعناه أنه – تعالى وتقدس –
لا يموت ، هو الحي الذي لا يموت أبداً ، الواجب الوجود بذاته ، الدائم الوجود ، الموصوف بالبقاء الأزلي.
فأوصي نفسي أولا بألا أنخدع بسلطان وُهِب لي
(أيا كان هذا السلطان ، فقد يكون رجاحة العقل سلطان ، فصاحة اللسان سلطان ، كثرة الولد والعزوة سلطان) ،
بأن هذا السلطان هبة مطلقة ، فاستمراره مرهون بشكر الواهب ومراعاة الوهاب في استخدام ما ميزنا به ووهبه لنا ،
وألا نكون كصاحب الجنتين في سورة الكهف الذي اغتر بما وُهِب ولم يشكر.
فكم رأينا حولنا ممن وُهِبوا سلطان المال وتوفوا وهم يتلقون الصدقات.
ومن منحوا سلطان الجاه وتوفوا على أذلة وربما حبيسين مقيدين.
وربك تجلَّى في علاه أفصح لنا بشكل جلي لكل ذي لب عن كيفية الحفاظ على هباته ، فقال تعالى في سورة إبراهيم
“وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ” (7)
وهنا الشكر لا بد أن يكون عمليا بمعنى أن تشكر الله وتحسن استخدام سلطانك فلا تظلم أسرتك ولا تحابي مرؤوس لك على الآخرين ،
ولا تنفق مال الله فيما نهى عنه (لأن ما لديك من مال فهو مال الله وأنت مستخلف فيه)
العبرة أن الملك والسلطان إنما هو إبتلاء واختبار وعندما يريد الله تتهيأ الأرض من وعليها لتنفيذ مشيئته.
فيا رب يا حي يا قيوم نشهد بربوبيتك وقيوميتك وأنك الحي الذي لا يموت.
فيا رب يا وهاب يا رزاق ارزقنا الرضا وحب الخير وشكر نعمتك قبل أن تهب لنا متاع الدنيا.
يا رب يا عليم يا حكيم نشهد بجودك وكرمك وعطائك ونشهد أنك وهبتنا أكثر مما نستحق ،
فبعزتك وجلالك وقدرتك ألهمنا الصواب وهيئ نفوسنا وقلوبنا لأن نكون عونا لعبادك بما استخلفتنا فيه ،
وباعد بيننا وبين الكبر والغرور كما باعدت بين المشرق والمغرب.