كانت ابنتي تلميذة مميزة في دراستها
كانت ابنتي تلميذة مميزة في دراستها ، وحتى تنال علامات أحسن تجعلني أفتخر بها أمام قريباتي وعدتها باقتناء هدية جميلة طالما تمنت الحصول عليها ،
بشرط حصولها على علامات أفضل ، ومن شدة فرحتها لم تصدق بداية ما وعدتها به ، فهي باهظة الثمن ،
ومع هذا أكدت لها حصولها على الهدية لو اجتهدت أكثر.
وكان لي ما أردت ، علامات أفضل بكثير من سابقاتها ، جعلتني أطير فرحا وفخرا ، ولأن الهدية كانت باهضة الثمن ولا أملك ثمنها.
ولأني ظننتها ستنسى الأمر ، امتنعت عن اقتنائها مكتفية فقط باقناعها في حالة توفر ثمنها مستقبلا سأقتنيها لها.
لم تعترض ، اكتفت بالصمت والإنتظار ، ومرت الأيام والأشهر ونسيت أمر الهدية تماما ،
أو لنقل تناسيتها بحجة صغر سنها ، وإن الوقت كفيل لينسيها إياها.
وجاءت السنة الدراسية الموالية ، وبدأت تتراجع علاماتها تدريجيا ،
ورغم توبيخي الكبير لها وحرصي على مراجعة دروسها يوميا إلا أنها ظلت على حالها ، تتماطل وتتكاسل على تأدية واجباتها.
تغيرت ابنتي كثيرا ، فهوت نحو الأسوأ فالأسوأ ، ورغم اني استفسرت إن كانت الهدية هي السبب ، وأنها لازالت ترغب بها ،
إلا أنها اكتفت برفع كتفيها في تصرف طفولي يعبر عن عدم إكتراثها لها ، لم تقل شيئا ، لم تحتج ، لم تعترض ،
ولم تلمني ويا ليتها فعلت ولم تخفي تلك الخيبة داخلها.
ومع هذا بقيت متيقنة أن افتقداها للهدية هو السبب ، لا يوجد سبب آخر لتهاونها ،
فحاولت تصحيح خطئي بتأكيد وعودي لها هذه المرة ، ومع هذا لم تهتم أيضا ، اكتفت بالصمت ،
لم تفرح ، لم تبتهج كما فعلت سابقا ، ولم تنظر في عيني حتى!
وحين رفعت رأسها بيدي لمحت دموعا تجمعت في عينيها ، فكأنما كانت تقول لي لن تفعلي يا أمي ،
أنت تكذبين مرة أخرى ، أنت تخدعينني ومهما وعدتني مجددا وأكدت لي ذلك ألف مرة لن أصدقك!
إقرأ أيضا: في قديم الزمان تزوج غني بخيل
كم شعرت بالسوء لما فعلته معها ، كان في عينيها الصغيرتين كلام كثير لم تستطع قوله ، لكني رأيته ،
كلمات أكبر من أن تترجمها طفلة بسنها ، أو أن تدركه إمراة بسني لم تشعر بحجم الخذلان في قلب صغيرتها ،
ومع هذا حاولت تحسين صورتي التي شوهتها فعلتي في ذهنها.
أصررت على الوفاء بوعدي ، وما إن انتهت السنة الدراسية اقترضت مالا واقتنيت لها الهدية رغم علاماتها المتوسطة ، أو لنقل المتدنية ،
كان تصرفي غريبا بالنسبة لها ، فكأنما كانت تقول لي لماذا لم تقدميها لي حين نجحت وتفوقت؟
لماذا الآن حين شارفت على الرسوب!
ما الذي ستقوله لي صديقاتي ، الا تكفيني الخيبة السابقة حتى تضيفي سخريتهم لها !
لم تفرح بها كما توقعت ، اكتفت فقط بالصمت وإخفائها في مكان لا تلمحه عيناها ،
أخفتها كخيبة لا تريد رؤيتها كل ليلة في غرفتها أو حياتها حتى!
لم تكن هكذا سابقا ، كانت تشارك صديقاتها كل شيء تحصل عليه ، لعلها شاركتهم ذلك الوعد ،
شاركتهم انتظاره ولهفة الحصول عليه ، شاركتهم ثقتها في والدتها وفخرها الكبير بها ،
وشاركتهم كل ما يدخل السرور لقلبها إلا ذلك الألم الذي تجرعته بمفردها ، خصوصا كونه من أقرب إنسانة إليها.
شعرت لحظتها أني خسرت ابنتي ، خسرت ثقتها ، تفوقها وحتى سعادتها ، ويلزمني الكثير حتى أستعيدهم مجددا ،
ليتني خسرت ثمن الهدية وأضعافا مضاعفة منها ، ولم أخسر نظرة ثقة واحدة من عينيها.