كانت هناك مملكة قديمة يحكمها ملك لمدة عام واحد فقط وبعدها يأخذونه إلى جزيرة بعيدة ليكمل فيها بقية عمره ثم يملك غيره وهكذا كل سنة ،
حيث في نهاية العام يتزين الملك بالتاج والصولجان ويلبس أفخر الثياب ،
ويمتطي ظهر حصانه ويبدو حزينا جدا وهو يطوف أنحاء المملكة ليقوم بتوديع شعبه.
في إحدى السنوات تولى الحكم في المملكة ملك تقي ورع حكيم يتمتع بالعقل الراجح ونور البصيرة ،
وفي اليوم التالي من إعتلائه العرش مباشرة أمر كبير الحراس في القصر أن يأخذه سرا إلى الجزيرة البعيدة ،
التي إستقبلت من سبقوه من الملوك القدامى.
فأخذه كبير الحراس إلى الجزيرة وهناك إكتشف الملك أنها عبارة عن غابات كثيفة ،
تسكنها الحيوانات المتوحشة من أسود ونمور وذئاب وثعالب ،
وفوجئ ووقف مذهولا وهو يرى جثث الملوك السابقين ملقاة في مختلف أنحاء الجزيرة.
وأدرك الملك بفطنته مجمل القصة وعرف أن الملوك الذين سبقوه ونقلوا للجزيرة ما لبثوا حتى إلتهمتهم الحيوانات المتوحشة.
عاد الملك إلى المملكة وجمع عشرات العمال الأقوياء الأشداء وأخذهم إلى الجزيرة وأمرهم بتنظيفها ،
وقطع الغابات الشاسعة وجمع بقايا جثث الملوك السابقين ودفنها في مقابر مناسبة بكل توقير وإحترام ،
ووضع الحيوانات الحية في أقفاص داخل حديقة خاصة.
عمل العمال بكل جد وإجتهاد لتنفيذ أوامر الملك المحبوب حتى صارت الجزيرة نظيفة تماما شديدة الروعة والبهاء ،
وانتشرت البساتين الخضراء في ربوعها والطيور المغردة وشيدوا القصور ،
وأحاطوها بالأشجار الوارفة والنباتات الجميلة العطرة حتى تحولت الجزيرة إلى جنة جميلة.
إقرأ أيضا: ما خلقكم لينساكم
إكتملت السنة وجاء دور الملك لينتقل إلى الجزيرة فوضع التاج على رأسه ولبس الصولجان وارتدى أفخر الثياب ،
وامتطى ظهر حصانه لتوديع شعبه حسب عادتهم القديمة.
وكان الملك على غير عادة من سبقوه سعيدا مبتسما وحين سألوه عن ذلك أجابهم :
إن الملوك الذين سبقوني إنشغلوا بمتاع الدنيا الفانية ولم يفكروا في مستقبلهم وآخرتهم الباقية ،
لذلك قمت بإصلاح وتعمير الجزيرة حتى صارت جنة لأني أعرف أنها مقري النهائي الذي سأقضي فيه بقية عمري.
لا تجعل الدنيا الفانية تلهيك عن الدار الباقية.