كان أبو حفص الأبَّار صديقا لابن شبرمة
كان أبو حفص الأبَّار صديقا لابن شبرمة ،
وكان له عند ابن شبرمة حاجة فقضاها له ،
فجاء أبو حفص يشكره ،
فقال له ابن شبرمة : على أي شيءٍ تشكرني؟
قال له : لقد قضيتَ حاجتي!
فقال له : اذهب، إذا سألتَ صديقكَ حاجة ،
يقدر على قضائها فلم يبذل نفسه وماله ،
فتوضأ للصلاة ،
وكبِّر عليه أربعاً وعُدَّه في الموتى!
يا صاحبي ، إن الصديق صِنو الروح وقطعة القلب ،
فمتى لم يكن المرء منك بهذه المنزلة ، فلا تدعي صداقته ، عُدّهُ من المعارف فقط!
الصديق لا يهون وإن هانَ كل الناس.
اختلف أبو بكر وعُمر على شيء ، والنبلاء تقع بينهم الخلافات أيضا ،
وإن كانوا سرعان ما يرممون الفجوة التي حدثت بينهم ، وكان أبو بكر هو المخطئ ،
فسارع إلى الإعتذار من عمر بن الخطاب ،
ولكن عمر بطبعه الصلب لم تكن نفسه قد صفت بعد ،
فلم يقبل اعتذار أبي بكر ، وضاقت الدنيا بأبي بكر.
وكان كلما ضاقت به الدنيا ذهبَ إلى النبي صل الله عليه وسلم ،
فحدَّثه بالذي كان بينه وبين عمر وكيف رفضَ اعتذاره ، ولكن عمر النبيل سرعان ما راجع نفسه ،
وجاء إلى المسجد يبحثُ عن أبي بكر.
ولكن النبي صل الله عليه وسلم لم يمررها هذه المرة ، لم يهُنْ عليه صديقه الأثير على قلبه ، فقام خطيباً يُدافع عنه وقال :
يا أيها الناس إنَّ الله بعثني إليكم ، فقلتم : كذبتَ ، وقال أبو بكر: صدقَ!
وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟!
إقرأ أيضا: أول حروف الأبجدية ألف باء
فجعل أبو بكر يخبر النبي صل الله عليه وسلم
أن الحقَّ كان مع عمر ،
أيضاً لم يهُن عمر عند أبي بكر ، الصديق لا يهون يا صاحبي!
يا صاحبي ، دار الزمان بالناس اليوم ، فقلَّتْ الصداقة وشحَّ الأصدقاء ، قلَّتْ الأكتاف الصالحة للإتكاء ،
والقلوب التي تقاسمك الوجع ، والعيون التي إن لم تستطع أن تخفف عنكَ بكتْ معك!
ورحمَ الله الأعمش حين قال : أدركتُ أقواماً لا يلقى الرجل صديقه الشهر والشهرين ،
فإذا لقيه لم يزدْ عن قوله له : كيف أنت؟ وكيف حالكَ؟ ولو سأله نصفَ ماله لأعطاه!
ثم أدركتُ آخرين ، إذا لم يلقَ الرجل منهم صديقه يوما ،
سأله عن كل شيءٍ حتى الدجاجة في البيت ،
ولو سأله درهماً من ماله ما أعطاه!
نحن في زمن الآخرين يا صاحبي ، والأصدقاء ندرة كالشعرة البيضاء في جسد الثور الأسود ،
فإذا عثرتَ على صديق نادر ، فتشبَّثْ به بأسنانك!
فمن لم يكن له صديق نادر ، فقد ماتَ قبل أن يموت!