كان قلبه رقيقا لا يحتمل أن يرى أحدا يشعر بالألم
كان قلبه رقيقا لا يحتمل أن يرى أحدا يشعر بالألم لأي سبب كان وعندما كان يسمع عن أزواج يجرحون زوجاتهم بكلمة ،
كان يتملّكه الضيق منهم وكأنهم آذوا أخواته ، فعاهد نفسه أنه عندما يتزوج لن يسمح حتى لملامح الحزن من الظهور على وجه زوجته.
لحين أتاه الوقت الذي أوجَبَ عليه تنفيذ ما يُملي عليه قلبه وضميره.
تزوّج فتاةً كانت تُشبهه برّقة القلب ، مُرهفة الإحساس ، تبكي عند أتفه الأسباب ، فلم يمضي ثلاث أيام على زواجهما قالت له :
لقد إشتقتُ لأهلي ، أريد النوم عندهم يومان.
شعرَ وكأنها تطلب منه الذهاب برحلة نحو القمر ، فقال لها :
بالطبع لا يمكنكِ الذهاب ، فهل سمعتي عن عروس تترك زوجها بعد ثلاث أيام لتنام عند أهلها ؟
إنهمرت دموعها كسيل من الأمطار ، فاعتصر الألم قلبه وهو يمسح دموعها ويرجوها كي تتوقف فقال في قرارة نفسه :
يبدو أنها في شوق لعائلتها ، وهذا طبيعي كحال كل المتزوجات حديثا.
فأمسك وجهها برفق وعيناه مغرورِقَتانِ بالدموع متوسّلتَين :
أرجوكِ كُفي عن البكاء ، سآخذكِ كي تنامي كما يحلو لكِ ، إن أردتِ ثلاث أيام عوضاً عن يومين فلا مانع لدي.
إحتَضَنَتْهُ ثم أخَذَت معها ملابساً تكفيها شهراً ، فلم يرغب أن يقول لها لمَ كل تلك الملابس كي لا تنزعج منه مرة أخرى ،
وأوصلها بيده وترك قلبه وروحه معها ، وعاد إلى المنزل مع ذلك الحُضنِ وخيالها في أرجاء المنزل.
مضت ثلاثة أيام ، لم تتصل به ، فشعر كأنها نَسِيَتْهُ ، فاتصل بها يسألها عن الساعة التي ترغب بقدومه إليها كي يصطحبها ، فقالت له :
إقرأ أيضا: إشتقت لها لكن كبريائي يمنعني من محادثتها
أريد البقاء يوماً آخر فقد عادت أختي من السفر البارحة وأريد المبيت معها.
أغلق الهاتف بدون أن يتكلم خشية أن تعاود البكاء فقال في قرارة نفسه :
معها حق ، فأختها عادت لزيارتهم بعد غياب سنتين بسبب زواجها ، لن أذهب إلا عندما تتصل بي.
مضى أسبوعاً أعقبه ثلاث أيام ، بلا أي خبر منها ، فقرر الذهاب إليها ، كي يحاول إقناعها بالرجوع معه ، والعودة لزيارة أختها كل يومين.
ما إن دخَلَ حتى إستقبله عمه بازدراء ، وحماته باشمئزاز ،
فعَلَت الدهشة وجهه من إستقبالهم له بعد أن كانا يأخذانه بالأحضان في أيام الخطوبة ، فقال له عمه وهو مقطّب الجبين :
لا بارك الله فيك ، فقط لأنَّ زوجتك طلبت منك زيارتنا ليلة واحدة لرؤية أختها التي عادت من السفر بعد سنتين ،
قلت لها إبقي ثلاثة أيام ، ثم إتصلَت بك بعد ثلاثة أيام ، قلت لها فلتبقي عشر أيام كي تشبعي من أختك ،
وأنا الذي سأقرر متى أعود لأخذك.
ثم إستلمَتْهُ حماته قائلة :
إنْ أكرَمْتَ الكريمَ ملكتَهُ وإن أكرمت اللئيم تمرّدا .
بَرَزَت عيناه من الصدمة وكادت أن تتمزّق جفونه مما سمع ، فصمت للحظات لم يعلم ما يقول بها ، ثم تنفَس الصعداء :
أعتذر أشد الإعتذار ، قبّحني الله على ما فعلت ، لن أعيد ذلك الخطأ البتة ، ألتمسُ عفوكما ،
أطلبا من زوجتي العزيزة أن تأتي مع أغراضها كي نعود إلى المنزل.
وقفت زوجته أمامه بعد بضع دقائق على أتمّ الأنستعداد للعودة معه ، وقلبها يرتعش من الوعيد الذي يُلاقيها في المنزل ،
لكنها فوجئت بأنه لم يفتح فمه بكلمة وكأنّ شيئاً لم يكن.
مضى شهر أظهرَت طاعة ورضوخ لا مثيل له ، وهو هادئ مسالم كالمعتاد ، لحين قالت له :
أختي ستسافر غداً ، أودّ الذهاب لرؤيتها.
أجابها من دون أن ينظر لوجهها :
-كم يوماً تودّين المبيت؟
إقرأ أيضا:
أخفَضَتْ ناظريها خجلاً كطفلة مذنبة :
يومٌ واحد.
رمقها بنظرة أخبرتها أن تكف عن الكذب ثم قال :
من الآنَ فصاعداً ، ممنوع ذهابك عند أهلك سوى برفقتي وقدمي قبل قدمك ، ولن تغادرهم قدماي قبل قدماكِ ،
والمبيت من المحظورات ، إلا أن أردتِ مني المبيت برفقتك.
إتّسعت حدقتا عينيها وقفزت بسعادة :
يا سلام ، لا مانع لديكَ من المبيت معي ، من حسن الحظ أنَّ غرفتي لم يقتربوا منها البتة ،
سننام بها كلما رغبتُ بزيارتهم.
نظر لها بندم على ما قال ثم قال في قرارة نفسه :
لقد أوقَعْتُ نفسي ، فلم أعلم أنها ستوافق أن أرافقها بالمبيت.
لم يطاوعه فؤاده أن ينقض كلامه ، ويجرحها بأول حياتهما الزوجية ، فأصبح “كصهر بيت”
يمضي أغلب أيامه عند أهل زوجته ، وكأنَّ لا بيت له ، لحين أنجبت مولودها الأول ،
فأصبح دائم القول بكل مرة تطلب منه المبيت ، وبدون أن يكترِثَ لشعورها :
ممنوع المبيت حتى وأنا معكِ ، ولا أسمحُ لكِ بالذهاب إلا برفقتي ، ويجب ألا تنسي قول أجدادنا :
تنام المرأة بعد بيت زوجها ، في قبرها .