كصفحة بيضاء
كصفحة بيضاء
كان يحلمُ في تلك الليلة بأن ينام نوماً عميقاً جداً ، و ثم يستيقظ في الصباح ليجدَ نفسه في عالمٍ جديدٍ تماماً ،
عالم مختلف كليّاً عن عالمه السابق ؛ عالمه الذي ما عاشَ به يوماً واحداً ، بل إنه كان يتعايش معه فقط ؛
أو بالأحرى كان يحاول أن يتعايشَ معه ، ليجدَ نفسه في جزيرةٍ بعيدةٍ جداً في إحدى المدن المنسيّة ،
و لا يهمّ أين تكون تلك المدينة ؛ المهم أن تكون بعيدةً ، بعيدةً جداً ، و منسيّة أيضاً ،
لأنه تعوّدَ أن يكون منسيّاً ؛ و كي يتناسبَ مقامُ الحالِ مع حال المقيم ؛ شخصٌ منسيٌّ في مدينةٍ منسيّة ، تلك هي الأمنية المرجوّة ، و السعادةُ الأبدية .
إنسانٌ وُلِدَ لتَوِّهِ في تلك الأرض البعيدة ، مثل ” آدم ” بعدما كان في سُباتٍ عميق ، و لكن هذه المرّة لن تُخلَقَ حوّاءُ من جنبه ،
بل سيكونُ لوحدهِ تماماً ، و تكون له الفرصة بأن يعودَ ليولدَ من جديد ، و يكون عقلهُ كَ صفحةٍ بيضاءَ تماماً ،
تكادُ تخلو من أيّ شيء حيثُ لا وجود لأيّ كلماتٍ متناقضة ،
ولا وجود لأيّ حروفٍ مبعثرة ؛ بعضها شرقاً و بعضها غرباً ،
شيءٌ منها في الأعلى ، و شيءٌ في الأسفل ، ولا وجود لفواصلَ كثيرة لا تُعدّ ولا تُحصى ،
كانت قد وُضعَت في أماكن و مواضعَ متفرّقة ، كان من المفترض أن تُضَعَ النقاطُ مكانها !
ولكنها وُضعَت رغماً عنها ، و ذلك كي يستمرّ قطارُ الحياةِ في رحلته المجهولة !
إقرأ أيضا: بين الوحدة والعزلة
لِيَجدَ عقله كَصفحةٍ بيضاءَ تماماً ، حيث لا وجود لأيّ علامات إستفهامٍ كانت قد وُضعَت كثيراً بعدَ فَيضٍ من الأسئلة ؛
تلك الأسئلة المُحيّرة التي كان يطرحها العقلُ ، و يستفهمُ عنها القلبُ كلّ يومٍ و كلّ ساعةٍ و دقيقة.
ليجدَ عقله كَصفحةٍ بيضاء تماماً ؛ حيث لا وجود لأيّ علاماتِ تعجّبٍ ؛
كانت قد وُضعَت مراراً و تكراراً بعد الكثير و الكثير من المواقف المثيرة للدهشةِ و التعجب.
صفحةٌ بيضاء ، لا يوجدُ فيها رسائلٌ لم تُرسَل ، وأفعالٌ لم تُفعَل ، وأخرى مبنيّةٌ للمجهول ، وعباراتٌ لم تُقرَأ ،
وأخرى قُرِأت و لم تُفهَم ، و جملٌ لا محلّ لها من الإعراب ، و لا جملٌ تفسيرية ، ولا أخرى إعتراضيّة ، و لا مبتدأٌ بلا خبر، و مقدّمةٌ دونَ خاتمة !