قصص منوعة

كنت أتمشى بجانب الطريق السيار وإذا بي أرمق جنازة

كنت أتمشى بجانب الطريق السيار وإذا بي أرمق جنازة تحت الخطى

لحظات قليلة حتى صرت وسطها فغدوت من المشيعين ، ثم أحسست بقرع على رأسي فصحت إهدأ نحن في جنازة!

رد عليّ صوت خافت : أعلم ، فأنا الميت!

إلتفتُّ فإذا به فعلاً يطل من تابوته ويسألني : ماذا تفعل في جنازتي أيها الغريب ؟

تلعثمت وأجبته ، سيدي الميت إن طريقنا واحد لغاية المنعطف القادم.

إبتسم وقال لي : وكم بقي لك أنت من عمرك لتموت؟

أجبته : أتفهّم صدمتُك ، لكني في كامل صحتي ولا زال العمر أمامي أعتقد.

ضحك مني حتى كادت ترجع إليه روحه وقال :

يا أحمق ألا ترى أني أصغر منك سنا ولم يشفع لي ذلك لأعيش ؟

لحظتها إنتابتني قشعريرة وإلتزمت الصّمت أفكر في صدق كلماته ،

لكنهُ قاطع تفكيري وهمس لي ، لا تخف فالأقدار تمشي لما رسمت له ، ثم إن الموت ليس كما يبدو!

فسألته : وهل يمكنك أن تخبرني بماذا شعرت ؟ تغير شحوبه وهمس : آاااه الموت يشبه الحياة.

شددت على يده الباردة وقلت له أفصح سيدي ،

نظر إليّ في شرود وقال : تنزل الرّوح بالمرأة ثم يقع الحمل ، ثم الوضع ،

وكذلك الموت ، تصعد الروح ويقع الحمل فوق الأكتاف ثم الوضع في القبر!

عجيب ما تقوله ولكنه عين العقل ، لكن لما نحب الحياة ونكره الموت؟

أجابني: ألم تسمع بأن الناس أعداء ما جهلوا؟

قلت له صدقت وأردفت ، أيمكنك أن تُخبرني كيف أحسست وهو يقبض روحك؟

تبسم إبتسامة من يدرك كنه الأشياء ، وردّ علي ببرودة ، هذا السؤال لا يفكر فيه إلا بشريٌ تائه.

قلت له وكيف ذلك؟

1 3 4 10 1 3 4 10

إقرأ أيضا: إنتماء

فأجابني : أغلب الناس يمضون عمرهم في طرح الأسئلة الخاطئة ،

يا صديقي من أراد أن يجتاز النفق الضيق بدون ألم فعليه أن يأتيه صائما من الشهوات والمتع.

لحظتها علمت أن كل ما تعلمته لم يكن يساوي شيئا أمام كلمات ميت حكيم.

كان الجو جنائزيا ، فأردت أن أدخل عليه بعض البهجة وصارحته ، لم أرى قط جنازة متأنقة مثل جنازتك ،

نعش من خشب البلوط ، ولفات كفن من البياض ، أنا أغبطك يا صاح!

ضحك الميت حتى ظهر كافور أسنانه وقال :
أجل فالأهل يهتمون بك ميتا أكثر منك حيا ثم بكى!

طبطبت على نعشه وقلت له ،
لا تبك ، سوف يظنون أنك خائف!

نظر إلي وقال : أقسى ما في الجنازة ، أن ترى أحبائك لآخر مرة وقد أمضيت عمرا تتلهف رؤيتهم ولا يأتوك.

ثم همس لي ، أتسديني معروفا؟ قلت أجل بدون شك.

فقال : إزرع شجرة صغيرة على قبري ،
أجبته وفيما ستنفعك شجرة وأنت تحت اللحد؟

إغرورقت عيناه وصاح في آخر كلمات له بالدنيا ،

أريد أن أسمع صوت النسيم على ورقاتها ، وشدو الطير على فروعها ،

أريد من يؤنس وحدتي ، أنا خائف يا صديقي ، أنا خائف.

وصلنا المنعطف وتركت موكب الموت يحمل صديقي المُسجّى ، ووقفت أتأمل كلماته ،

نمضي حياتنا في إنتظار الموت دون أن نعمل على إستقباله ، وحين يأتي نندم على حياة أمضيناها دونما حياة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?