كنت محاميا تحت التدريب
كنت محاميا تحت التدريب أتقاضى يوميا من أستاذي الذي أعمل معه ٥٠ جنيه في كل يوم شاملة المصاريف والمواصلات ؛
بمعنى أنه لم يكن يتبقى خمسة أو عشرة جنيهات ،
بمعنى آخر أن صافي دخلي الشهري من المحاماة كان ما بين ٢٠٠ إلى ٣٠٠ جنيه شهريا.
لم يكن للمال قيمة عندي حينها فقد كنت أعلم أنه سيأتي قطعا لا محالة ولكن في الوقت المناسب ،
ظللت أعمل كمحام تحت التدريب لشهرين اثنين فقط لا ثالث لهما ، وعندها اتخذت قرارا بفتح مكتب محاماة خاص بي.
تحولت من محام تحت التدريب إلى محام صاحب مكتب ،
وكانت القضايا في مكتبي تعد على أصابع اليد وكانت بالكاد تكفي لمصاريف العمل وإيجار المكتب ومصاريفي الشخصية التي كانت أبسط ما يكون.
في ذلك الوقت تعرضت لاختبار صعب أشبه بمفترق طرق ، وعلي أن اختار إما طريق الحق وإما طريق الضلال!
تواصل معي أحد الأشخاص وطلب مني أن أكتب له عقد زواج عرفي على بنت قاصرة (أقل من ٢١ سنة) وبدون علم أهلها ،
وبالطبع رفضت فكيف لي أن أفعل ذلك وقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم “لا زواج إلا بولي وشاهدي عدل”.
مر أسبوعين تقريبا وكنا قبل نهاية الشهر ببضعة أيام ولم يكن معي ما يكفي لدفع إيجار المكتب ،
وليس لي موعد أو اتفاق مع أحد خلال الأيام المقبلة ، بمعنى أنه قد يأتي آخر الشهر ولا أجد ما أدفع به إيجار المكتب.
فوجئت حينئذ باتصال من هذا الشخص ثانيا وكانت الثانية ظهرا وقتها وقال لي سوف أمر عليك وأعطيك خمسة آلاف جنيه ،
في مقابل أن تكتب لي العقد اليوم فقلت له سأرد عليك اليوم إن شاء الله.
إقرأ أيضا: العلاقة الزوجية نصائح للزوجة اتجاه زوجها
أخذت أفكر ؛ إنها خمسة آلاف وإيجار المكتب الذي لم يكن متوفرا معي هو ألفي جنيه فقط ،
والأمر ليس سوى ورقة أكتبها في بضع دقائق وإن لم أكتبها أنا ربما يكتبها غيري ،
ولكن أين أذهب من الله ؟! ماذا عساي أقول له حين يسألني لماذا فتحت الطريق أمام ما حرمه الله؟! لماذا سهلت معصية الله لهؤلاء؟!
قلت في نفسي أن الذي أرسل لي هذا المال بطريق الحرام قادر أن يرزقني خير منه بطريق الحلال ،
وأخذت قراري أنني لن أقوم بهذا الأمر ولو دفع لي خمسة ملايين بل لو دفع ملئ الأرض ذهبا وفضة!
فاتصل بي ليسألني عن العقد فقلت له أنني لن أقوم بكتابة هذا العقد فعرض علي عشرة آلاف ،
فقلت له الأمر لا علاقة له بالمال ولو عرضت مائة ألف أو مليون فلن أكتب لك هذا العقد ، وأنهيت المكالمة معه.
رغم أنني كنت في أمس الحاجة إلى هذا المبلغ حينها لكنني آثرت العمل بشرف ونزاهة وآثرت الرزق الحلال على ما عداه ،
مؤمنا بأن الله لن يضيع من اختار طريق الحق والبعد عن معصيته.
في اليوم التالي ذهبت إلى القاهرة رفقة صديق لي لإنهاء أمر خاص به ، وكنت في محطة المترو ،
فوجئت باتصال من رقم ليس مصري وإنما من سويسرا (+41) رددت عليه فقال المتصل أنه شاهد “فيديو” لي ،
أتحدث فيه عن قضايا الميراث ويريد أن يوكلني في بعض القضايا المتعلقة بالميراث.
وفي اليوم الذي يليه أرسل لي الرجل مبلغ خمسة آلاف جنيه كمقدم أتعاب في قضاياه ،
وبعدها ب ٤٨ ساعة أنجزت له بعض الأعمال فأرسل لي خمسة آلاف جنيه أخرى.
فقلت سبحان الذي جنبنا الحرام ورزقنا الحلال من حيث لا ندري ولا نحتسب ،
وأذكر أنه من يومها لم تمر بي ضائقة بل رزقني الله من واسع فضله وأصبح لدي مكتبين ،
أحدهما في أرقى وأغلى أماكن القاهرة والآخر في أرقى وأغلى أماكن المنصورة.