كيف أقول حين أسأل ربي؟
كيف أقول حين أسأل ربي؟
أنه سمع النبي صل الله عليه وسلم وأتاه رجل ، فقال : يا رسول اللهِ ، كيف أقول حِينَ أسأل ربي؟
قالَ : قُلِ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ، وَارْحَمْنِي ، وَعَافِنِي ، وَارْزُقْنِي. وَيَجْمَعُ أَصَابِعَهُ إلَّا الإبْهَامَ ؛ فإنَّ هَؤُلَاءِ تَجْمَعُ لكَ دُنْيَاكَ وَآخِرَتَكَ.
كان النبي صل الله عليه وسلم مُرَبِّيًا حَكيمًا ، ومُعلِّمًا رَحيمًا ، ومُؤدِّبًا عليمًا ، ما سأله أحدٌ قَطُّ فخَذَلَهُ ،
فكان الصَّحابةُ يأتونه ، فيَسألونه ، فيُجيبُهم ويُعلِّمُهم ، ويُحسِنُ تأديبَهم.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ طارقُ بنُ أَشْيَمَ الأشجعيُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رجلًا أتى النَّبيَّ صل اللهُ عليه وسلَّمَ ،
فقال : «يا رسولَ اللهِ ، كيف أَقولُ حين أَسألُ رَبِّي؟» أي : كيف أدعو اللهَ؟ وكيف أسألُهُ وأطلُبُ منه؟
فعَلَّمه النَّبيُّ صل اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَدْعوَ اللهَ ويقولَ : «اللَّهمَّ اغفِرْ لي» ، أي : امْحُ عنِّي وأَزِلْ لي ذَنْبي وخَطيئتي ،
«وارحمْني» ، أي : أنزِلْ وأسبِغْ علَيَّ رَحمةً مِن عِندكَ ، بإيصالِ المَنافعِ والمَصالِحِ لي ،
فأَرادَ الرَّحمَةَ بعْدَ المغفِرةِ لِيَتكامَلَ التَّطهيرُ؛ فالمَغفِرةُ سَتْرُ الذُّنوبِ ومَحْوُها ،
والرَّحمةُ إيصالُ الخَيراتِ ؛ ففي الأوَّلِ طَلَبُ الزَّحْزَحةِ عنِ النَّارِ ،
وفى الثَّاني طَلَبُ إدخالِ الجنة ، وهذا هُو الفَوزُ العَظيمُ ، «وعافِني» في الدِّينِ والدُّنيا ونَجِّني مِن البلاءِ والمعاصي والآثامِ ،
ومِن مَرَضِ الجسدِ، ومَرَضِ القلبِ، «وارزُقْني» فأعطِني رِزقًا حلالًا طيِّبًا ،
يَعني : الرِّزْقَ الَّذي يَقومُ به البَدَنُ مِنَ الطَّعامِ والشَّرابِ واللِّباسِ والمَسكَنِ وغَيرِ ذَلكَ ، والرِّزْقَ الَّذي يَقومُ بِه القَلْبُ ،
وهو العِلمُ النَّافعُ والعَمَلُ الصَّالحُ ، فاجعَلْ لي ما يَكْفيني في الدُّنيا ، وفي الآخرةِ ارزُقْني وأعطِني الدَّرجاتِ العُلْيا.
ثمَّ جَمَعَ النَّبيُّ صل اللهُ عليه وسلَّمَ أربعَةَ أصابعَ وهو يُعلِّمُ الرَّجلَ ، كأنَّه يُريدُ أنْ يقولَ له :
إقرأ أيضا: الفرق بين رغدا حيث شئتما وحيث شئتم رغدا؟
ادعُ بأربعِ كلماتٍ ، وأخبَرَه أنَّ تلك الدَّعَواتِ الأربعَ تَجمَعُ له خَيْرَيِ الدُّنيا والآخرة.
وبدَأ بِالمغفرةِ ؛ لِكونِها تطهيرًا وتنظيفًا وتَخليةً مِن أقذارِ المعاصي ، وعَقَّبَها بِالرَّحمةِ ؛ لكونها كالتَّحلِيَةِ ،
ثمَّ طلَب الهداية ؛ حتَّى يَعرِفَ الحقَّ ويَستمِرَّ عليه ، وبَعْدَ تَمامِ المَطالِبِ سأل اللهَ العافيةَ ؛
لِيَقْدِرَ على الشُّكرِ ، وطَلَبَ الرِّزقَ ؛ لِتستريحَ نفسُهُ مِن هَمِّ تَحصيلِهِ.
وفي الحَديثِ : الحَثُّ على أنْ يكونَ الدُّعاءُ شاملًا خَيْرَيِ الدُّنيا والآخرةِ
فيه : الحثُّ على طَلَبِ المغفرةِ والرَّحمةِ والرِّزقِ والمُعافاةِ ؛ فهي جِماعُ الخيرِ.
فيه : تَعليمُ النَّبيِّ صل اللهُ عليه وسلم للنَّاسِ جَوامعَ الكلِمِ في الدُّعاء.
وفيه : بَيانُ حاجةِ العبدِ للتَّضرُّعِ لربِّه بالدُّعاءِ.
الراوي : طارق بن أشيم الأشجعي.
المحدث : مسلم.
المصدر : صحيح مسلم.