Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
قصص منوعة

لا تتراجع اكذب !

لا تتراجع اكذب !

طبيب امتياز قليل الخبرة، وحده تمامًا في استقبال الأمراض الباطنية في المستشفى البارد المظلم، والساعة الواحدة بعد منتصف الليل.

هذا أنا منذ ثلاثين عامًا تقريبًا. استدعاء الطبيب المقيم، النائم في مسكن الأطباء الدافئ مستحيل،

ما لم يكن المريض التالي هو حسني مبارك أو رئيس الوزراء نفسه.

في الخارج تصل سيارة الشرطة (البوكس) الكئيبة، ويهبط منها ثلاثة رجال أحدهم يتلوى ألمًا،

وكلهم يرتدون ذلك السويتر الأسود “المزرر” الذي يزعق بأن صاحبه (داخلية). على فراش الفحص يرقد المخبر (صُبحي) يئنُّ ويتأوه.

أتحسس بطنه بيدٍ باردة (برغم أنني نفخت فيها مرارًا).

علامات التهاب المرارة الحاد واضحة، وفي ذلك الوقت كانت الموجات الصوتية نوعًا من الترف العلمي الذي تحظى به الحوامل فقط،

لذا كنا نعتمد على الحدس الإكلينيكي.

طلبت من الرجلين – المخبرين – أن ينهيا له إجراءات دخول المستشفى،

وبدأت إعطاءه بعض المحاليل والمسكنات والمضادات الحيوية.

بعد ساعة جاء ضابط حديث السن على قدر من اللطف والإنسانية وقف جوار فراش صبحي،

ثم سألني عن حالته فقلت إنها التهاب حاد في المرارة.

سألتي في تعاطف: “هل هي حالة مؤلمة؟”.

أجبته بثقة وعلم: “جدًا”. لمحت دمعة تترقرق في عينيه وقال لمساعد شرطة معه: “لا حول ولا قوة إلا بالله ، لقد كلّفناه فوق ما يطيق، وكان يتعذب ونحن لا نعرف”.

هنا حانت منّي نظرة للمريض، لمحت اختلاجة معينة في ركن فمه.

وكانت عيناه مغمضتين بعصبية. ثمة قاعدة غير مكتوبة تقول إن مريض آلام البطن العنيفة لا يغمض عينيه،

بل يراقبك ويراقب يدك في هلع منتظرًا ما ستفعله ببطنه،

ولكن من يغلق عينيه هو غالبًا الهستيري أو المتمارض.

رحت أمعن النظر أكثر، فأدركت أنه يبالغ في الألم فعلًا ويضغط على شفتيه أثناء وجود الضابط.

أنا قليل الخبرة لكن (صبحي) ليس مريضًا إلى الحد الذي ظننته لأول وهلة. أقسم على هذا.

سألني الضابط عما إذا كان عم صبحي سيحتاج لشيء ثم انصرف آسفًا مع مرافقه.

بعد ساعتين عدت للعنبر فلم أجد الأخ صبحي ، وجدته يقف هناك في الردهة يدخن،

ويمازح الممرضة الحسناء السهرانة مزاحًا لفظيًا جنسيًا.

الوغد كان يتمارض وكان يعرف كيف يعطي انطباعًا وهميًا بالتهاب المرارة.

نظر لي في ارتباك فطلبت منه أن يتبعني لغرفة الفحص. وهناك جلست وقلت له في حزم:

أنت متمارض ، لكني متورط في تشخيص خاطئ كذلك، وبسببي فررت أنت من نوبتجية الليل،

ولا شك أن ضابطك الطيب يقتل نفسه الآن من تأنيب الضمير.

إذن لنتفق في الصباح الباكر تخرج من المستشفى ولنقل إن الله شفاك بفضله.

هكذا عاد للعنبر لينام في سلام ، وفي الصباح ابتاع لنفسه أربع شطائر فول وطعمية وانصرف.

كان هذا هو درسي الأول عن أن التورط في الخطأ قد يجعل التراجع مستحيلًا.

لا يمكنك أن تفضح الحقيقة أحيانًا ، خاصة إذا بلغ تورطك درجة معينة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?