لا تغضب
لا تغضب
هذا الموقف نموذج لكثير من المواقف التي نعايشها كل يوم.
جاء رجل إلى النبي صل الله عليه وسلم ، فقال : أوصني.
قال له رسول الله : “لا تغضب” ، فردد الرجل مراراً يقول : يا رسول الله أوصني!
قال : لا تغضب ، ما زاده على هذه الوصية العظيمة ، مع أن الرجل استصغرها وكرر : أوصني!
كم من موقف تافه أدى إلى قتل نفس؟
كم من كلمة عابرة أدت إلى حرب ثائرة؟
وكم من كِبْرٍ في القلوب أحيانا يجعل صاحبه يعظّم الخطأ ويبالغ في التعنت والإنتقام والظلم؟
جاء عن صلاح الدين : أن رجلا شتمه وسبه سبا شنيعا ، فابتسم صلاح الدين ، فعاتبوه في ذلك فقال : إني أدخر غضبي للصليبيين!
أين نحن اليوم من هذا السمو والنضج والذوق الرفيع والعقل الكبير؟
كيف نريد أن نحرر بيت المقدس ونحن بهذه العقليات وبهذه الأخلاقيات.
في الحديث : يقول عليه الصلاة والسلام : أنا زعيم أي : كفيل وضمين- بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء أي : الجدال- وإن كان محقا.
هل ماتت المروءة في الناس؟
هل مات اليقين بثواب العفو وأن فيه الأجر والعز في الدنيا والآخرة؟
قال عليه الصلاة والسلام : ثلاث أقسم عليهن ، ومنها : وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا.
ليست العزة في التشفي والإنتقام أيها الكرام.
ما يدخره الله لكم من العزة في العفو أعظم مما تزعمونه في الإنتقام!
يقول تعالى : وقولوا للناس حسنا ، للناس كلهم!
وقال :”وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم”.
إنتقوا طيب الكلام ، وتحروا السداد في الأقوال ، يغفر الله لكم ذنوبكم ، ويرزقكم الرشاد في أعمالكم :
“يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم”.
لا تنتظروا حتى يحسن الناس إليكم فتحسنوا القول والعمل.
إقرأ أيضا: الإيمان في القلب
إذا كان الأمر كذلك فلن تتمكنوا من الإحسان والعفو ولن تؤجروا عليه ، لأنكم أردتم ثناء الناس وإحسان الناس ورد الجميل من الناس.
وقد ذكر الله عن عباده الأبرار ، أنهم يطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا.
ثم يقولون : إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً “
لماذا ؟
إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً” ،
فكان الجزاء : “فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة -في وجوههم- وسرورا -في قلوبهم”،
ثم يقول: “وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا” ، نعم “بما صبروا”.
لهذا يقول الله : “وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل”.
اتقوا الله في أقوالكم وتصرفاتكم ، واحفظوا ألسنتكم ، وغضوا الطرف عن زلات بعضكم.
خذوا العفو ، وأمروا بالعرف وأعرضوا عن الجاهلين.
أين الذين يحسنون لوجه الله ولا يرجون من الناس إحساناً؟
وأين الذين صبروا إبتغاء وجه ربهم ، وادخروا لهم شيئاً إلى ما بعد الموت؟
أين الذين إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه؟
أين الذين يصفحون صفحا جميلا ، ويصبرون صبراً جميلا ، ويهجرون هجراً جميلا ، بلا حقد ولا أذى ولا غيبة ولا كيد.
وأين عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما؟
وصدق ربي إذ يقول : وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم”.
فاصفحوا عن الذلات واغفروا العثرات، واصبروا علي المكروهات ، فمن صبر وغفر وصفح عفا الله عنه.