لمن نوى الحج هذا العام وحزن لمّا سمع بارتفاع تكاليف الحج
لمن نوى الحج هذا العام وحزن لمّا سمع بارتفاع تكاليف الحج.
روى الذهبي في سير أعلام النبلاء : أن حاتم الأصم وهو من كبار الصالحين ، حنّ قلبه للحج في سنة من السنوات ولا يمتلك نفقة الحج ،
ولا يجوز سفره بل لا يجب الحج دون
أن يضع نفقة الأبناء دون أن يرضوا.
فلما أقبل الموعد رأته إبنته حزينا باكيا وكان في البنت صلاح ،
فقالت له : ما يبكيك ياأبتاه؟
قال : الحج أقبل.
قالت : ومالك لا تحج؟
فقال : النفقة.
قالت : يرزقك الله.
قال : ونفقتكم؟
قالت : يرزقنا الله.
قال: لكن الأمر إلى أمك.
ذهبت البنت لتذكر أمها ، وفي النهاية قالت له الأم والأبناء : إذهب إلى الحج وسيرزقنا الله.
فترك لهم نفقة 3 أيام ، وذهب هو إلى الحج وليس معه ما يكفيه من المال ، فكان يمشي خلف القافلة ،
وفي أول الطريق لسعت عقرب رئيس القافلة ، فسألوا من يقرأ عليه ويداويه ، فوجدوا حاتم ، فقرأ عليه فعافاه الله من ساعته.
فقال رئيس القافلة : نفقة الذهاب والإياب عليّ.
فقال : اللهم هذا تدبيرك لي فأرني تدبيرك لأهل بيتي.
مرت الأيام الثلاثة ، وانتهت النفقة عند الأبناء ، وبدأ الجوع يقرص عليهم ، فبدؤوا بلوم البنت ، والبنت تضحك.
فقالوا : ما يضحكك والجوع يوشك أن يقضي علينا؟!
فقالت : هل أبونا هذا رازق أم آكل رزق؟
فقالوا آكل رزق ؛ وإنما الرزاق هو الله.
فقالت ذهب آكل الرزق وبقي الرزاق ، وهي تكلمهم وإذا بالباب يقرع ،
فقالوا :من بالباب؟
فقال الطارق : إن أمير المؤمنين يستسقيكم.
فملأت القربة بالماء ، وشرب الخليفة فوجد حلاوة بالماء لم يعهدها !
إقرأ أيضا: يحكى أن هناك رجلا يدعى خزيمة بن بشر
فقال : من أين أتيتم بالماء؟
قالوا : من بيت حاتم.
فقال : نادوه لأجازيه.
فقالوا : هو في الحج.
فخلع أمير المؤمنين منطقه وهي حزام من القماش الفاخر المرصع بالجواهر ، وقال : هذه لهم.
ثم قال : من كان له عليّ يد -بمعنى من يحبني- فخلع كل الوزراء والتجار منطقهم لهم ،
فتكومت المناطق فاشتراها أحد التجار بمال ملأ البيت ذهبا يكفيهم حتى الموت وأعاد المناطق إليهم.
فاشتروا الطعام وهم يضحكون ، فبكت البنت.
فقالت لها الأم : أمرك عجيب يا ابنتي ؛ كنا نبكي من الجوع وأنت تضحكين ، أما وقد فرج الله علينا فمالك تبكين؟!
قالت البنت : هذا المخلوق الذي لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا «الخليفة» نظر إلينا نظرة عطف أغنتنا إلى الموت ، فكيف بمالك الملك!
سير أعلام النبلاء -(11/487).