Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
قصص منوعة

لن تعرفي قيمتي إلا إن خسرتيني الجزء الأخير

لن تعرفي قيمتي إلا إن خسرتيني الجزء الأخير

ما إن دخلت أمه حتى قالت لي : لا أريد إطالة الكلام ، فمع أني قلتُ لابني أنكِ تريدين الطلاق ، لكنه أصرَّ أن آتي لأُخبركِ بعرضه وجملته ،

لعلكِ توافقي وتنتزعي فكرة الطلاق من رأسك.

تفضلي.

-أولاً ، إنَّ عرضَ إبني لكِ هو كلما حفظتي جزءاً من القرآن ، سيعطيكِ مئة جنيه تدَّخرينها ،

وكل جزء يعقبه مئة أخرى تدخرينها أيضاً ، إلى أن يكتمل المبلغ لألف ومئتا جنيه ،

وحيث أنَّ هذا أرخص هاتف تستطيعين إستخدامه لوسائل التواصل الاجتماعي ، وبهذا يكون قد اكتسب ثواباً معكِ ،

والجملة التي أراد قولها لكِ هي ، لن تعرفي قيمتي إلا إنْ خسرتيني.

نظرتُ لها كالمعتوهة ، واجتاحتني رغبة عارمة لأول مرة في حياتي ، بأن أشتم أحداً ،

ثم نظرتُ أرضاً وحاولتُ أن استوعب ما قالت ، فالعرض كان بِكَفَّة وجملته كانت بِكَفَّة أخرى ،

أيقنتُ منها أنه مجرد شخص جامعي قارئ للكتب ، لكن نسبة فهمه واستيعابه معدومة ،

ومهما حاولتُ أن أشرح لن يفهم ، فرفعتُ ناظريَّ نحوها وقلتُ :

قولي لابنك ، أني لستُ موافقة على عرضه ، ولن أُصَدِّقَ جملته إلا إن خسرته ، وهذا يعني أني مصممة على الطلاق.

انتفضت وأطل*قَت كلماتها بغضب : إبني معه كل الحق إذاً ، من المؤكد أنَّ هناكَ أحداً يُحَرِّضُكِ على طلب الطلاق منه.

ثم هرولَتْ إلى الباب ، وأغلقَتْه خلفتها بعنف.

حينها فقط أدركْتُ من أين حصل ابنها على فهمه.

خرجت أمي من الغرفة المجاورة ، فهرولْتُ وعانقتها وأنا أبكي :

أرجوكِ أمي ساعديني ، أريد أن أتخلَّصَ من هذا الكائن ، حتى لو قت*لني أبي وأخي.

إقرأ أيضا: أحبني طفل الجزء الأول

فَرَبَتتْ على شعري ، وطمأنَتْني بأنَّ الأمور ستتحسَّن.

أمضيتُ ساعات وأنا مصدومة من الجملة التي قالتَها لدرجة أصبحت أتحدث مع نفسي بصوت مسموع وأقول ،

لن تعرفي قيمتي إلا إن خسرتيني ، وأضحك.

حينها أيقنتُ أنه في الحياة أشخاص مهما امتلكوا من صفات سيئة تجعلهم أناس لا يُطاقون ولا تُحتمل الحياة معهم ،

لكنهم يجدون أنفسهم أناساً كاملي الأوصاف ، لا يكررهم الزمن ، ولا يَرونَ عيوبهم مهما حاولنا أن نشرح لهم.

عاد أبي مساءاً ، وبدون أن يسألني ، اتجه نحو أمي وطلب منها اللحاق به وإخباره ماذا قالت حماتي لي ،

وبعد بضع دقائق خرج وأقبل نحوي ، وكاد قلبي أن يتمزَّق من هول ضرباته ،

فتوقَّعْتُ أن ينهال بالض*رب علي ، لكنه جلس بجانبي وعانقني ثم قال :

إبنتي ، بعد الكلام الذي أرسله مع أمه ، أيقَنْتُ أنه رجل شحيح البخل ، وحياتك القادمة معه ستكون سوداء قاتمة ،

خاصة إن أنجَبتي منه ولداً فسيزداد بخله بحجة زيادة المصروف عليه ، وبما أنكِ مُصرَّة على الطلاق ولم يبتليكِ الله بأولاد منه ،

فأنا موافق ، بشرط أنه بعد أربعة أشهر ونصف من تاريخ طلاقك ، سيتمُّ زفافكِ على ابن عمتكِ ،

فقد طلَّق زوجته منذ بضعة أيام.

أومأتُ رأسي بالموافقة وعيناي اغرَوْرَقتا بالدموع فرحاً ، وأيقَنْتُ حينها سبب تبدّل حال أبي ،

كونه وجد ابن أخته عريساً سريعاً يُسْكِتُ به أفواه الناس إن قالوا إنَّ ابنته مُطَلَّقة.

تم طلاقي بمدة قصيرة ، وانفرَجَت أساريري ، وأمضيتُ الأربعة شهور بسعادة مسجونة تَحَرَّرَت فجأة بعد أن حُكِمَ عليها بالإعدام.

إلى أن انتهت الأربعة أشهر ، وأتى ابن عمتي برفقة المأذون وأمه وأبيه مباشرة لعقد القِران.

لا أعلم لماذا تذَكَّرْتُ حينها جملة طليقي ، وخشيتُ أن تتحقق كوني لم أجرؤ حتى أن أسأل عن سبب طلاقه لزوجته.

إقرأ أيضا: حلاق بيكاسو النبلاء والأوفياء

لم أرَهُ مرة بعد عقد القران ، فبعد أسبوع واحد تمَّ الزفاف ، شعرت بتلك الليلة براحة نفسية لا مثيل لها ،

غير الأمان الذي لم أشعره إلا بطفولتي مع أبي.

وفي صباح اليوم التالي لزفافنا ، كانت المفاجأة ، فقد طلب مني أنْ أحزم أمتعتنا استعداداً للسفر إلى مصيفٍ بشرمِ الشيخِ أسبوعاً كاملاً ،

كدْتُ أن أقفز فرحاً وأيقنتُ أنَّ الله قد عوَّضني به ،

مضى أسبوعاً حلَّقنا به فرحاً وكأننا عُشَّاق لدرجة أني قلتُ له بدون أن أعي حبيبي ،

فنظرَ لي بدهشة عارمة وقال : عيديها أرجوكِ ، فكم تمنَّيْتُ أن أسمعها منكِ.

ابتسمت بدهشة : هل أفهم من كلامك أنَّكَ كنت تحبني؟!

بل كنتُ أعشقكِ.

يارجل !، ولماذا لم تتقدَّم لخطبتي إذاً؟!

أيُّ خطوبة يا ابنة الخال ، وأنتِ ما إن دخلتي إلى الجامعة حتى كاد رأسكِ لا يحملكِ وأنتِ ترددين دوماً ،

لن أتزوَّج إلا من رجل مثقف جامعي ، وأنا بالكاد أخذتُ الشهادة الإعدادية وأعمل حدَّاد.

لا أعلم لماذا في تلك اللحظة اجتاحتني رغبة عارمة في عناقه ، فعانقته بلحظتها ، ثم قلتُ :
-ولماذا طلَّقْتَ زوجتك؟!

بعدَ أنْ أصبحَ تعليمكِ غصَّة بقلبي ، قرَّرْتُ ألا أتزوج إلا من فتاة جامعية ، وألبستُها ذهباً كثيراً ،

بالإضافة لخاتم ألماس هدية الخطوبة وإسوارة ألماس هدية الزواج ، لكنها كانت تطمع بالمزيد ،

ولم تتوقَّف عن طلب الهدايا لها ولعائلتها ولم تتنازل عن الذهب كهدية ،

وعندما أرفض وأشرح لها بكل مرة أن “تحويشةَ عمري” قد صرفُتها للزواج بها ،

كانت تردُّ باحتقار وتقول ، أنا مثقفة جامعية ولو تزوَّجْتُ مثقفاً لعيَّشني حياة الرفاهية وأحضَرَ لي كل ما أريد ،

صدقني لن تعرف قيمتي إلا إنْ خسرتَني.

إقرأ أيضا: جاءني والد فتاة يقص عليّ ما تتفوه به تلك الصغيرة

كانت آخر جملة كدعابة سمعتها ذات يوم ، فدخلْتُ في نوبة ضحك لدقائق ، وهو ينظر لي بذهول ، وبعد أن توقَّفْتُ عن الضحك ،

قَصَصْتُ له كلَّ ما بَدَرَ من طليقي بدءاً من الفسوحات لحديقة الأزهر تحت مسمى شهر العسل ،

انتهاءاً بعرضه وجملته ، كونَ والدي لم يخبره بالتفاصيل سوى أنه بخيل.

وبعد أن انتهيتُ من حديثي قلتُ له : الحمد لله الذي خلَّصَنا من المثقفين.

تعالت ضحكاتنا ، وأمضيتُ معه أشهراً بغاية السعادة والجمال ، فقد كنا متفاهمين لأبعد الحدود ،

وإن اختلفنا على أمر ما ، نستمر بالنقاش المتبادل البنّاء إلى أن نخرج بحل يرضي كلينا.

كانت المشكلة الوحيدة التي لم أستطع حلها معه هو كرمه الزائد الذي وصل لحد التبذير ،

لدرجة أننا نصل لآخر الشهر فلا يجد نقوداً ليدفعها للمواصلات ، مما يجعله يستلف من أحد أقربائه أو أصدقائه ،

وبرغم ذلك كان يستمر بالصرف حتى على أشياء لا داعي لها ، وبكل شهر كنت أقول له :

حبيبي أرجوك اقتصد في المصاريف ، علينا أن نقوم بادخار نقود إن حصل أمر طارئ معنا ،

ولا تنسى أنه من الممكن بأي لحظة آتي إليك وأقول لك أنا حامل ، لذلك عليك أن تتدخر نقوداً لأجل ابننا أو ابنتنا.

فيرد قائلا : يأتي الولد ويرسل الله رزقه معه ، وإن حصل أمر مكروه معنا لا قدَّر الله ،

فالأحباب والأصحاب كثُر سيقفون بجانبنا ويساندوننا.

فكنت أقول بقرارة نفسي : يا إلهي ، إما زوج بخيل أو زوج مُبذّر ، لماذا لا يكتمل معي شيء؟!

إلى أن طفح الكيل معي وقلت له : أريد العمل
لماذا ، هل أنا مقصر معكِ بشيء؟!

أنتَ رجل كريم جداً ، وبرغم تفاهمي معك على كل شيء لكننا لم نستطع الوصول لإيجاد حل لتبذيرك ،

فأنت لا تفكر بالمستقبل ولا يهمك ، أما أنا فأحب أن أخبئ قرشي الأبيض ليومي الأسود ، لكي لا يأتي يوم وأحتاج أحداً.

بإذن الله لن تحتاجي أحداً ، فالله موجود.

إقرأ أيضا: حكاية زنوبيا ملكة تدمر وجذيمة

ونعم بالله ، لكن أعقل وتوكّل ، وبتبذيرك هذا أشعر معكَ بالخوف من المستقبل.

لكِ ما أردتِ ، لأني لن أستطيع الادخار ، فبعد أن أخذت طليقتي مني ما جنيته طيلة حياتي ، أصبحت أشعر أني إن عدت للادخار ،

فستذهب كل النقود التي سأجنيها دون فائدة.

ثم احتضنني وقال باسماً : لنتنافس ونرى من الذي سيجد عملاً لكِ قبل الآخر.

ساعَدَني بالبحث عن عمل لبضعة أشهر ، إلى أن زاره مالك شركة كبيرة بعد أشهر من آخر إصلاحات طلبها منه ،

حينها حلق ابن عمتي من الفرح وقال له : لقد نسيت كلياً أنك مدير شركة مهمة في البلد ، ولولا أنك أتيت لي لما تذكرت ،

ولذلك أريد أن أطلب منه توظيف زوجتي إن رأيت بها المؤهلات التي ستنفع في عملك.

تعالا لشركتي في صباح الغد وأحضرا سيرتها الذاتية.

حلق قلبي من الفرح عندما أخبرني بأنه وجد لي عمل ، وتضاعفت فرحتي عندما وافق المالك على تعييني مُحاسِبة في شركته.

منذ أول يوم عملت به ، بدأ ابن عمتي بمساعدتي في أمور المنزل من طبخ وتنظيف وغسيل ،

فحمدت الله على الرزق الذي أرسله لي بصورة إنسان ، فتضاعف حبي له أضعافاً مضاعفة.

عشنا بتفاهم لا مثيل له فأدركتُ أنَّ الشهادة الجامعية ليست الأهم بالرجل.

استمَرَّيتُ بعملي ، واستمر بمساعدتي حتى بعدَ أن رزقنا الله بطفل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?