ليس كل الآباء آباءا
مع أنها تمنت أن تكمل دراستها لكن أبيها قال لها : لا دراسة للفتيات عندي ، والفتاة نهايتها مع شهادتها بمنزل زوجها.
إلى أن أتى عريس لخطبتها واشترط على أبيها أن يسكنا بمنزل عائلته بعد الزواج ،
فوافقَ أبيها وأقنعها بالموافقة على الرغم من أن المنزل قديم وأثاثه مهترئ.
منذ الأسبوع الأول لزواجهما ، بدأت أمه بافتعال المشاكل معها ، ومع أنَّه كان على يقين بأن أمه هي المذنبة ،
لكنه كان يقف معها ضد زوجته ، فتارة يقول لها بلطف ، تحمليها فهي أمي ولا أريدها أن تغضب عليّ بسببك ،
وتارة كان يثور غضبا عليها ويهددها بالطلاق إن لم تُكرِّث حياتها لإرضاء أمه ، ولن يبالي حتى إن أرضَته.
فمضى شهرا تلو الآخر ، وهي تحتمل أمه وعدم إنصافه لها ، لحين طفح الكيل بها وطلبت الطلاق ، فقال لها ساخرا :
لا أمانع بطلاقك البتّة ، لكن إن رَضِيَ أباك.
فذهبت لأبيها تشكو له زوجها وحماتها فقال لها بنبرة غضب وتوبيخ :
لا طلاق عندي ، وإنْ طلب زوجكِ منك الإنت*حار و تجرُّع السم من يد حماتك ، فافعلي له ما يريد.
عادت لمنزل زوجها مكسورة الخاطر ، راضخة لأوامره ومعاملة أمه السيئة ، وبعد سنة رُزِقَت بفتاة سمّاها زوجها على اسم أمه لينال رضاها أكثر ،
فاعتَقَدَت أنْ تتغيَّر معاملة حماتها للأحسن ، لكنها ازدادت سوءا ، لدرجة أنها مع مرور السنوات كرَّثت جهدها لتقلب ابنتها ضدها ،
فازدادت المشاكل بينها وبين زوجها ، لتنتهي بضربها في بعض الأحيان.
إلى أن أتمَّت ابنتهما الثامنة عشر وأتت عائلة لخطبتها ولأنّها لم ترغب بتكملة دراستها ، وكان العريس به كل المواصفات المثالية ،
اشترطَ عليه والدها منزلا خاصا لهما بعيدا عن منزل عائلته ، لأنه لن يُفسِحَ مجالاً لأن تحيا ابنته بمشاكل نفسية بسبب الخلافات العائلية ،
فوافق العريس على شرطه وتم الإتفاق على كل ترتيبات الزواج.
إقرأ أيضا: كان يفرش الحصير في المساجد بلا مقابل
لكنْ أمُّ زوج ابنته ، لم تدعها تحيا بسلام ، فبعد الأسبوع الأول من زواجهما ذهبت لمنزلهما وبدأت بمضايقتها بعد أن قالت لهما :
سأبات عندكما حتى إشعار آخر ، وعندما اشتكت لزوجها إزعاج أمه المتكرر لها ، قال :
إنها أمي ، تحمليها واعتبريها أمكِ.
فغاضت عن إساءاتها المتكررة ، وأعذاره البالية لها ، إلى أن طفح بها الكيل وطلبت الطلاق ، فقال لها ساخراً :
اذهبي لأبيكِ ، وإن وافق على طلاق ابنته بعد أقل من سنة زواج لا مانع عندي.
ذهبت لأبيها والدموع تملأ عينيها فقال لها :
حزنت كثيراً بليلة زواجك لابتعادك عني لكن إن كنتِ ترغبينَ بالطلاق فلا مانع عندي ،
فأنت وردة قطفكِ زوجكِ وأعادكِ لي ، وأنا سأزرعكِ بقلبي مرة أخرى.
فاتصل بزوجها وقال : يا زوج ابنتي السابق ، تعالَ لنتفق على ترتيبات الطلاق.
شلَّ لسانه عن الحركة ، فهرول إليه ثم قال :
سامحكَ الله يا عمي ، من قال أني سأطلق ابنتك ، إنها ربيع قلبي.
رمقه قائلاً : إنها ربيع قلبك وأنتَ خريف قلبها ، وتقف مع أمك ضدها ،
ولأنك لن تقدر أن تعطي ابنتي حقها ، فيجب عليكَ أن تطلقها.
فتلعثم قائلا : أقسم لك أني لن أسمح لأمي أن تجرحها أو تهينها بكلمة من الآن فصاعدا.
فطلب من ابنته أن تعود مع زوجها ، وقال لها أمامه :
إن نكثَ وعده ، فالطلاق هو الحل ، حتى لو أنجبتِ منه خمسة أطفال.
كانت زوجته تسمع كل كلامه ، وبعد أن ذهبا قالت له بابتسامة مكسورة والدموع تملأ عينيها :
كم تمنيتُ أن يقول أبي لك ، ما قلته لزوج ابنتك ، لكن بالفعل ليس كل الآباء آباءا.