لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأعلَى
لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأعلَى
كانت هذه خاطرة وحي لموسى عليه السلام حين أوجس في نفسه خيفة عندما ألقى سحرة فرعون حبالهم وعِصِيهم ،
فخُيل إليه أنها تسعى ، فجاءته تلك الخاطرة تطمئنه وتثبته «قُلنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأعلَىٰ».
خاطرة بسيطة لطيفة ، دون عُدة أو عتاد ، جعلته يصمد أمام واحد من أشد الطغاة في تاريخ البشرية ،
وكانت سبباً في تغيير حياة ملايين الأشخاص!
في أغلب أحوالك ، أنت تحتاج لرسائل السماء أكثر من رسائل الأرض ،
وتحتاج لصُحبة الملائكة أكثر من صُحبة بني آدم ،
فكن مع الله ، يكن الله معك.
واعلم أن الأمر يبدأ عند الله وينتهي عند الله ، فلا تقف عند الخلق كثيراً.
قصة موسى مع سحرة فرعون
أمر الله تعالى نبيه موسى عليه السلام بالذهاب إلى فرعون ، وسأل موسى ربه أن يعينه بأخيه هارون ،
فلما ذهبا وبلغا فرعون ما أرسلا به من دعوته إلى عبادة الله وحده لا شريك له وأن يفك أسرى بني إسرائيل من قبضته وسطوته ويتركهم يعبدون ربهم.
تكبر فرعون في نفسه وعتا وطغى ونظر إلى موسى بعين الازدراء واستمر على طغيانه وعناده ،
فأدخل موسى يده في جيبه وأخرجها وهي كفلقة القمر تتلألأ نورا تبهر الأبصار ،
فإذا أعادها إلى جيبه رجعت إلى صفتها الأولى ، ومع هذا لم ينتفع فرعون بشيء من ذلك ،
بل استمر على ما هو عليه وأظهر أن هذا كله سحر وأراد معارضته بالسحرة.
فأرسل للسحرة يجمعهم من سائر مملكته ، ثم طلب أن يواعده إلى وقت ومكان معلومين ،
وكان السحر قد استشرى في القبط في قوم فرعون وكان مهنتهم وحرفتهم ،
وقد ذهل فرعون من هذا الأمر لذا دعا موسى وهارون إلى التحدي في السحر.
إقرأ أيضا: كان يقبع في محبسه والأغلال في قدمه
وجلب السحرة العظام ليواجهوا موسى فإذا انتصروا فسيتم القضاء على دعوته وتعزيز ألوهية فرعون ،
وكان يوم عيد من أعيادهم ومجتمع لهم أي من أول النهار في وقت اشتداد ضياء الشمس ،
فيكون الحق أظهر وأجلى ، وحتى يتحقق الهدف الذي يسعى إليه فرعون بتجنيد السحرة.
واختار يوم احتفال شعبي وهو يوم الزينة الذي يجتمع فيه المصريون من كل حدب وصوب حتى تصل الرسالة إلى الجميع ،
وليس إلى فئة دون أخرى.
فجمع فرعون من كان ببلاده من السحرة من كل بلد ومكان فاجتمع منهم خلق كثير ،
وتقدم موسى عليه السلام إليهم فوعظهم وزجرهم عن تعاطي السحر الباطل الذي فيه معارضة لآيات الله وحججه ،
فاصطفوا ووقف موسى وهارون تجاههم قالوا له إما أن تلقي قبلنا وإما أن نلقي.
قال بل ألقوا أنتم ، وكانوا قد أخذوا الحبال والعصي فملؤها الزئبق وغيره من الآلات التي تضطرب بسببها تلك الحبال والعصي اضطرابا يخيل للرائي أنها تسعى باختيارها ،
وألقوها وعند ذلك سحروا أعين الناس واسترهبوهم.
فألقى موسى عصاه فصارت حية عظيمة ذات عنق كبير وشكل هائل مرعب بحيث أن الناس خافوا منها ،
وأقبلت على ما ألقوه من الحبال والعصي فجعلت تلقفه واحدا واحدا في أسرع ما يكون من الحركة ،
والناس ينظرون إليها ويتعجبون منها.
وأما السحرة فرأوا ما هالهم وحيرهم في أمرهم أن هذا ليس بسحر ،
فأنابوا إلى ربهم وخروا له ساجدين وأعلنوا إيمانهم بالله رب موسى وهارون.
فلما رأوا كيف نصر الله موسى عليه السلام بعصاه التي تحولت إلى حية تسعى تلقف ما صنعوا من سحر عظيم ،
انقلبت قلوبهم وتحولت من منتهى الكفر والضلال إلى منتهى اليقين والإيمان وخروا ساجدين ،
وثبتوا أمام تهديد فرعون ، بأنه سيقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ويصلبهم في جذوع النخل ،
وهو تهديد شديد من الصعب أن يصبر عليه شخص حديث الإيمان لكن الله مقلب القلوب ثبت قلوبهم على الإيمان والطاعة في تلك اللحظة العصيبة.
قال ابن عباس كانوا أول النهار كفرة سحرة وأصبحوا أخر النهار شهداء بررة ،
ويؤيد هذا قولهم ربنا افرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين.
وقال سعيد بن جبير وعكرمة البربري والأوزاعي وغيرهم لما سجد السحرة رأوا منازلهم وقصورهم في الجنة ،
تهيأ لهم وتزخرف لقدومهم ولهذا لم يلتفتوا إلى تهويل فرعون وتهديده ووعيده لما رأوا من المكرمات.