ما نراه في الواقع ليس دائما هو الحقيقة
حتى ما نراه رأي العين ونلمسه لمس اليد
فنحن نرى الشمس بأعيننا تدور كل يوم حول الأرض ، ومع ذلك فالحقيقة أن العكس هو الصحيح ، و الأرض هي التي تدور حول الشمس.
ونحن نرى القمر في السماء أكبر الكواكب حجما ، مع أنه أصغرها حجما.
ونحن نلمس الحديد فنشعر بأنه صلب متدامج ، مع أنه في الحقيقة عبارة عن ذرات منثورة في فراغ مخلخل ،
وبين الذرة والذرة كما بين نجوم السماء بعدا.
وما يخيل لنا باللمس أنه صلب هو في الحقيقة قوى الجذب المغناطيسي الكهربائي بين الذرة والذرة ،
نحن نلمس القوانين بأصابعنا وليس الحديد.
ونحن ننظر إلى السماء على أنها فوق ، والأرض على أنها تحت ،
مع أنه لا يوجد فوق و لا تحت ، والسماء تحيط بالأرض من كل جوانبها.
والهرم بالنسبة لنا شيء لا يمكن إختراقه ، مع أنه بالنسبة للأشعة الكونية شفاف كلوح الزجاج ، ترى من خلاله وتنفذ من خلاله.
وصقيع القطبين الذي نظن أنه غاية في البرودة هو بالنسبة لبرودة أعماق الفضاء جحيم ملتهب.
وفي الحقائق الإنسانية تكذب علينا العين واللسان والأذن أكثر وأكثر ،
فالقبلة التي تصورناها في البداية مشروع حب نكتشف في النهاية أنها كانت مشروع سرقة.
وجريمة القتل التي أحس الجميع بأنها ذروة الكراهية يكتشف الجميع أنها ذروة الحب.
وما قد يبدو للزوج أنه خيانة من زوجته لفرط إحساسها بجمالها قد يكون الدافع الحقيقي له هو إحساس الزوجة بقبحها و شعورها بالنقص ،
تحاول الخلاص منه باستدراج إعجاب الرجال ، والإنتقال من خيانة إلى أخرى.
وما تكتب عنه الجرائد بالإجماع على أنه بطولة قد يعلم البطل نفسه أنه كان إنتحارا.
إقرأ أيضا: يحكى أن هنالك ملكا أرسل حرسه الخاص لإحضار أحد مستشاريه
وفي الحقائق الإجتماعية تتعقد الأمور أكثر ، و يغرق الحق في شبكة من التزييف تشترك فيها كل الإرادات ،
ويصبح الحكم على الأمور بظاهرها سذاجة لا حد لها.
وفي الحقائق التاريخية يكتب المؤرخون في كل عصر ومن ورائهم السلطة ، و تكتب أقلامهم ما يريد الأقوياء أن يقولوا.
وما أصعب الوصول إلى الحقيقة.
إن الوصول إلى المريخ أسهل من الوصول إلى حقيقة أكيدة عن حياة وردة تتفتح كل يوم عند نافذتك ،
بل إن الوصول إلى أبعد نجم في متاهات الفضاء أسهل من الوصول إلى حقيقة ما يهمس في قلب إمرأة على بعد شبر منك.
بل إن عقولنا تزين علينا حتى عواطفنا نفسها ، فنظن أن حب المجد يدفعنا والحقيقة أنه الغرور و حب الذات ،
ونظن أن العدالة هي التي تدفعنا إلى القسوة في حين أن الذي يدفعنا هو الحسد والحقد.
من الذي يستطيع أن يقول ، لقد أدركت الحقيقة؟
من الذي يجرؤ أن يدعي أنه عرف نفسه ؟
ليس من باب التواضع أن نقول ، الله أعلم.
وإنما هي الحقيقة الوحيدة الأكيدة في الدنيا ، إننا نجهل كل الجهل حتى ما يجري تحت أسماعنا وأبصارنا.
وبرغم جهلنا يتعصب كل فريق لرأي ، وقد تصور كل واحد أنه إمتلك الحق ، فراح ينصب المشانق والمحارق للآخرين.
و لو أدركنا جهلنا وقدرنا لانفتح باب الرحمة والحب في قلوبنا ، ولأصبحت الحياة على الأرض جديرة بأن نحياها.
متى نعرف أنا لا نعرف ؟!
مقال : الواقع الكذاب