Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
قصص منوعة

ملاك

ملاك

كانت فتاة يكسو وجهها ملامح الطفولة والبراءة وكم كنت أحسد الشاب والفتاة الَّذَين كانا يرافقانها بشكل يومي ،

حيث أنها تمضي أوقات الفراغ معهما لحين بدء المحاضرات.

وكم كنت أحمد الله أني من المحظوظين الذين يستطيعون رؤيتها كل يوم ، كونها كانت زميلتي في القِسم.

وذات يوم لم أستطع الذهاب إلى الجامعة لأني أُصِبتُ بزكام جعلني عاجزا عن مغادرة الفراش ،

وبعد ثلاثة أيام استعدت عافيتي ولاحت لي فكرة أن أطلب من الشاب الذي يرافقها ، كل المحاضرات التي فاتَتني.

حاولت بشق الأنفس أن أُزيحَ ناظريَّ عنها وأنا أُكلِّم زميلها الذي كان بغاية اللباقة حيث أنه أعطاني كل ما فاتني برحابة صدر.

وبعد أن أخذت كل المحاضرات دعوتهم لاحتساء القهوة كعربون شكر على ما قدمه لي ، فوافقوا بعد أن أصرَّيتُ عليهم كثيرا.

بعد أن جلسنا بدأت تلك الفتاة تتكلم بعفوية طفلة صغيرة ، وأنا أنظر لها ، وأقول في نفسي :

يا إلهي ، كأنها ملاك بهيئة بشر.

فنظرت لي ثم قالت ضاحكة وهي تلوّح بيدها :

يامن ! ، كُفَّ عن التحديق بي ، سيختفي جزء مني بسبب كثرة تحديقك ،

ثم أليس عندك فضول أن تعرف إسمي واسم صديقتي فقد تعرّفت بسامر فقط وكأننا لا نرافقه.

فتلعثمت قائلا : خفتُ أن أسأل عن اسميكما ، وتفهمانني بطريقة خاطئة.

فضحكت قائلة : يا رجل ! نحن زملاء في الجامعة ومن البديهي أن تعرف أسمائنا ، أنا إسمي ملاك وهذه بسمة.

تشرفت بكما.

حينها قلت في قرارة نفسي ، ملاك ، ملاك حقاً لكل امرئٍ من إسمه نصيب.

إقرأ أيضا: هو ليس سيئا البتة

وأيقنتُ حينها أنها يجب أن تكون زوجتي وأماً لأطفالي ، حتى لو كلَّفني ذلك الأمر حياتي ،

ولم أجد سبيلا لذلك سوى التقرّب منها وجعلها تُعجَب بي كما أُعجبْتُ بها ،

وكانت الطريقة الوحيدة لذلك هي أن أرافقهم بشكل يومي بصفتي زميل الدراسة الجديد.

فبتُّ في صباح كل يوم أشتري القهوة وأقف بانتظارهم ؛ أما اليوم الذي كانت تأتي به قبلهما ،

كان أسعد يوم في حياتي ، فقد كنت لا أرى أجمل من أن أمضي بضعا من الوقت مع ذلك الملاك البريء وحدنا ،

إلى أن أصبحت أبغض سامر وبسمة الذين بتُّ أراهما يقفان كالحاجز بيني وبين ملاك.

مضت أشهر ونحن على نفس الروتين ، حيث كنا نذهب من محاضرة إلى أخرى ،

ونمضي وقت الفراغ نتسكع في حديقة الجامعة وفي مقاهيها ، ونحن نتجاذب أطراف الحديث والإبتسامات تحاوطنا.

إلى أن شعرتُ أني أحببتها من صميم قلبي ؛ وقبل إجازة نهاية السنة الأولى قررتُ أن أعترف لها بحبي ،

لعلنا في السنة القادمة نمضي الوقت بمفردنا دون سامر وبسمة ، وكانت الصدمة.

عندما خرجنا من المحاضرة الأخيرة ، قلت لسامر وبسمة : أعتذر منكما ، أريد أن أتحدث مع ملاك بأمرٍ خاص.

وبدون أن أسمع ردَّهما أشرتُ لها بأنْ نسير بعيدا عنهما ، وما إن سرنا بضع خطوات حتى قلت لها :

بصراحة وبدون مقدمات ، أنا أُعجِبتُ بكِ من اليوم الأول الذي رأيتكِ به ،

وكان من الممكن أن ينتهي إعجابي مع مرور الوقت لولا أني أصبحت صديقكم ،

وأصبحنا نتسكع معاً كل يوم ، فرفقتي لكِ جعلتني أحبك.

فقالت لي بابتسامة رقيقة : لكني أكبر منك ببضع سنوات ، فلولا أني تزوجت بعمر السابعة عشر رجلاً بعمر أبي وطُلِّقت بعمر الثالثة والعشرين لما استطعت أن أدرس الثانوية العامة وأدخل الجامعة.

فقلت لها والدهشة تغمر وجهي : يا إلهي ، ملامحكِ لا تبدو بأنكِ أكبر مني.

فضحكت قائلة : لفت انتباهك عمري ولم يلفت إنتباهك أني مطلقة؟!

إقرأ أيضا: تخيل أن تقف يوم القيامة وقلبك يكاد ينخلع

فابتسمت قائلا : لا يهمُّ كونكِ مطلقة وأكبر مني المهم أن تمضي معي السنوات القادمة بصفتكِ حبيبتي ،

إلى أن نتخرج من الجامعة وأذهب لخطبتكِ رسميا ، هذا إن كنتُ من الشباب الذين يَرْوقونكِ.

فابتسمت برّقة ثم قالت : يمكنني أن أمضي الأيام القادمة معكَ ، ولكن ليس بصفتي حبيبتك ،

بل بصفتي خطيبتك حتى لو لم تقم بخطبتي رسميا ، يكفي أن نُذيع بين الزملاء أننا مخطوبان ،

فلن أكذب عليك بأني قد أُعجبتُ بك بعد أيام قليلة من مرافقتك لنا.

حينها حلَّق قلبي بأرجاء صدري ، لدرجة أني قفزتُ من مكاني وصفقت فرحا ، فضحكت وقالت لي :

تمالك نفسك ، لقد لفتّ الأنظار إلينا.

طوال الإجازة الصيفية ، كنت أقوم بالعمل مع والدي لجني نقود أشتري بها لملاك كل ما يحلو لها ،

بعد أن أوصتني بالعمل كثيراً لتأمين مستقبلنا.

وحتى بعد أن بدأت السنة الدراسية الثانية استمرَّيتُ بالعمل مع أبي الذي خصص لي راتباً شهرياً ،

عندما أخبرته برغبتي في الإرتباط حال تخرجي.

ولأنَّ سامر وبسمة كانا أول الأشخاص الذين عرفوا بأننا معجبان ببعضنا ، أفسَحَا المجال لنا بالتسكع بمفردنا.

لم تسعني الدنيا من الفرح لأنها أصبحت ترافقني يومياً مما جعلني وبنهاية كل أسبوع أُحضِرُ لها هدية.

وازدادت سعادتي عندما اعترفَت بحبها لي ، فسجلتُ تاريخ هذا اليوم ، وأصبحتُ كلما مرَّ شهرٌ عليه ،

أهديها قطعة ذهب لأنها لا تزالُ تنير أيامي بضحكاتها.

الشيء الوحيد الذي كان يؤلمني هو عدم قدرتي على رؤيتها خارج دوام الجامعة ، بسبب عملي مع أبي ،

إلى أن مضت أشهر وأشهر وانتهت السنة الدراسية الثانية وأصبحنا بمنتصف السنة الدراسية الثالثة ،

وأتى ذلك اليوم المشؤوم الذي قالت لي به :
يامن ، أعتذر منك لم يعد بإمكاننا الإستمرار معا.

كان كلامها سببا بمسح ابتسامتي طيلة أشهر ، لكن عندما عرفت السبب الحقيقي وراء انفصالها عني ، فقدت ثقتي بكل من حولي.

إقرأ أيضا: الساعة الخامسة صباحا أخذت التكتوك الخاص بي

كاد قلبي أن يتوقّف من الألم وأنا أقول لها لماذا ؟! ، فأجابت :

كنت أحبُّ ابن جيراننا ، قبل أن يجبرني أهلي على الزواج من الرجل الثري الذي يُجايل أبي ، وفعلوا ذلك فقط لأنَّ ابن جيراننا فقير ،

مما جعله يسافر خارج البلاد ، لكنه عاد منذ مدة قصيرة ،

فقد رأيته منذ بضعة أيام بمحض الصدفة ، وللحظة عاد كل الماضي الجميل الذي عشته معه ونبض قلبي نحوه مرة أخرى ،

فاكتشفت بأني لا أزال أحبه ، وحبي لك كان فقط لكي أنساه ، وأنا أريد العودة إليه.

فقلت لها وعيناي مغرورقتان بالدموع : بكل هذه البساطة ؟! ومستقبلي الذي بنيته معكِ ،

وحياتي التي أؤسسها من الآن ولا أرى أحداً بها سواك؟!

لا تُصعّب الأمور علينا ، أمامك الحياة طويلة وحتماً ستجد فتاة تشاركك حياتك ، وستكون تستحقكَ أكثر مني.

وقبل أن أقول لها لا أريد سواكِ ، ذهبَت مسرعة ، وتركت قلبي يبكي من الألم.

كل يوم مضى ببعدها عني كان يمزق قلبي وقد كنت أعتقد بأنها ربما تحن إليَّ ،

ولا تريد رؤيتي كوني لم أرَها تمضي أوقات الفراغ كما اعتادَت مع سامر وبسمة أمام مبنى كليتنا.

حاولَتْ بسمة أن تخرجني من حالة الحزن بدعوتها لي لاحتساء القهوة والشاي تارة ، ولتناول الطعام تارةً أخرى ،

لكن رؤيتها كانت تمزق قلبي لأنها تذكرني بأيامي مع ملاك مما جعلني بعد اعتذاري منها بلباقة بضع مرات ،

أن أقول لها بكل صراحة ، لا أريد صداقتكِ ولا صداقة سامر.

ومع مرور الأشهر نسيت كيف تكون الإبتسامة ، لكني لم أكفّ عن العمل يوما وجني النقود ، لعلّ معجزة تحصل وتعيدها إلي.

إنتهت السنة الدراسية الثالثة ونجحْتُ بمعدّل بالكاد استطاع ترفيعي للسنة الرابعة ،

وباليوم الدراسي الأول ، ذهبت وكلي أمل أن تقول لي أريدُ العودة إليك.

إقرأ أيضا: أجمل قصة حب وأصعب لحظه فراق!

ما إن وصلتُ لبوّابة الجامعة حتى رأيتُ ملاك جالسة بسيارة فخمة وبجانبها شابٌ هيئته توحي أنه فاحش الثراء ،

مما جعلني أغضُّ ناظري والدموع تنهمر على وجنتاي بصمت ، ثم هرولتُ إلى الداخل ،

فلمحتُ سامر ينظر إلى الباب وكأنه بانتظارها ،

وبعد أن سرت بضع خطوات رأيت بسمة شاردة الذهن تنظر إلى السماء.

لم أعلم حينها لماذا ألقيتُ تحية الصباح عليها وقلت لها :

إن سئمتي الإنتظار فصديقكِ وصديقتكِ ، أقصد سامر وملاك ، قد وصلا.

فقالت بابتسامة مكسورة : أيُّ أصدقاء ، لقد أنهيتُ صداقتي بهما منذ مدة.

وقفت مصدوماً بدون أن أنطق بكلمة ، فقالت لي :

إن كنتَ مهتماً بمعرفة السبب ، انتظرني هنا بعد المحاضرة الأولى لأخبركَ بكل شيء.

بعد أن انتهت المحاضرة ، دعوتُ بسمة لاحتساء القهوة ، ثم بدأَتْ الحديث قائلة :

ملاك ، إنها بالأصل إبنة عمي الذي توفي منذ أن كان عمرها ثماني سنوات ،

فكرَّست زوجة عمي حياتها لرعاية ملاك والعمل في تنظيف بيوت الأغنياء ،

وما إن وصلت ملاك لعمر السابعة عشر حتى أحبَّت سامر صديقنا الذي تعرفه ، وهو ابن جيرانها الفقير ،

الذي جعلها تتعرَّف بالرجل الغني الذي يعمل عنده ، واتفق معها أن توهمه بحبها له ،

ولأنه رجلٌ في الخمسين من عمره رآها فرصة لن تعوض ، فقام بالخروج معها مراراً وتكراراً لأرقى المطاعم ،

وإهدائها الذهب والملابس الفاخرة ، وعندما أوحى لها بالزواج ، اختفت هي وسامر من حياته ،

مما جعله يبحث عنها كالمجنون أياماً وأيام ولأنه ذا نفوذ استطاع الوصول إليها.

ثم هددها إن لم تتزوجه فسيخبر أمها بما فعلت ، غير أنَّ زواجهما سيكون سراً خوفاً من معرفة زوجته وأولاده.

ولخوفها على أمها وافقت على الزواج به ، بعد أن أقنعت أمها بحبها له.

إقرأ أيضا: لكنه يخونني لقد رأيته بين أحضان أنثى غيري

قامت ملاك بإقناع سامر أنها ستسحب نقوداً من زوجها طوال فترة زواجها لأجل مستقبلهما بعد طلاقها ،

وفي الوقت الذي لن تستطع أخذ نقود منه ، ستطلب منه الطلاق.

استمرت ثلاث سنوات بسحب نقود منه قدر المستطاع ، وبطريقة ما استطاع أولاده معرفة زواج والدهم من ملاك ،

ولأنه كان ضعيفاً أمام دموعهم ورجائهم ، قام بتطليق ملاك على الفور.

ولأنَّ النقود التي كانت تسحبها ملاك كانت تعطها لسامر ، دون أن تترك معها شيئاً ، قام سامر بالدخول في تجارة خاسرة ،

خسر بها أكثر من نصف نقودهما ، مما جعله يقترح عليها أن يقدما الثانوية العامة ويدخلا نفس القسم ،

فبعد أن تصبح جامعية سيجعله ذلك يختار لها أرقى الرجال لكي يُعرفّهم بها ، بحيث أنها تبدي إعجابها بالرجل في بداية الأمر ،

ثم تخطط معه لمستقبلهما معاً ، وتشجعه على العمل ، وتأخذ منه الهدايا بصفتها خطيبته المستقبلية ،

وإن عرض عليها الزواج أو وجد لها سامر رجلاً أغنى ،

تخبر الرجل حينها أن حبيبها قد عاد من السفر والذي لأجل حبها له قد أجبرها والدها على الزواج وهذا ما حصل معك ،

فقد تركتك فقط لأن سامر وجد لها رجلاً أغنى.

حينها صرخت روحي من الألم ، وانهمرت دموعي بصمت وفجأة قلت لها :
كيف عرفتِ بسرهما؟!

تنفست الصعداء ثم قالت : في اليوم التالي لإنهاء ملاك علاقتها بك ، رأيتها مع رجل آخر بمحض الصدفة والإبتسامة تغمر وجهها ،

إقرأ أيضا: دخل الجراح سعيد إلى المستشفى بعد أن تم إستدعائه

وبعد أن صرختُ بوجهها وأنا أؤنبها عما فعلَت بك ، أخبرتني بكل شيء بلحظة غضب ،

وهي تبرر بأنَّ كل ما فعلته كان نتيجة الفقر المدقع والمعاناة التي عاشتها مع أمها ،

ثم ألقت بكل اللوم على أبي الذي لم يساعدهما بسبب تهديد أمي له قائلة :

إن ساعدتَ أرملة أخيكَ وابنته سأُطلِّق نفسي منك وآخذ البيت والسيارة والمحل وأجعلك تعود شحّاذاً كما وجدك أبي.

لكن ملاك لم تتوقف عن حقدها لهذا الحد ، بل طلبت من سامر إقناعي أنْ يُعرفني برجال أسحب منهم نقوداً حتى بدون أن يلمسوا يدي ، ولأجل ذلك أنهيت علاقتي بهما.

استأذنتُ من بسمة بدون أن أُعلِّق بكلمة ، وأنا لا أصدق كيف أنَّ الملاك التي بهيئة بشر ، هي بالأساس شيطان بهيئة بشر.

حينها فقدت ثقتي بكل من حولي ، وقررتُ أن لا أصادق أو أكلم إنسان سوى أبي وأمي ، خشية من الغدر أو الخداع.

ما إن دخلتُ إلى المنزل حتى بدأتُ بالبكاء وتكسير غرفة نومي ،

وبعد أن هدأتُ أخبرتُ والدايَ بما عرفت عن الفتاة التي كنت أنوي الزواج بها ، فقال لي أبي :

ليسَتْ نموذجاً يُعمَّمْ ، ولا يجب أن تفقد الثقة بالناس بسببها وبسبب من اعتبرته صديقك ،

فأنت وثقت بمن ليس أهلاً للثقة ، فقط عليكَ أن لا تُخدَع بمظاهر الأشخاص وتسلمهم مفاتيح قلبك دون أن تتوغل بأعماقهم ،

ولا تتعلق بمخلوق على وجه الأرض ، وضع ببالك أنَّ كل من يدخل على حياتك ربما يخرج يوماً ما ، يا بني لا تُعلِّق فؤادك سوى بالخالق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?