من أروع المشاهد تأثيرا في نفسي صفاء المهتدين الجدد
من أروع المشاهد تأثيرا في نفسي صفاء المهتدين الجدد دمعات أعينهم ، إقبال نفوسهم ، إندفاعهم نحو ربهم.
كأنهم يريدون تعويض سنوات التقصير ، وكل ما كان من تأخير.
يذكرونني دائما بصفاء الإبتداء الذي عشناه أول إلتزامنا ، حيث طفولة الهداية ، ورقة القلب ، وحداثة العهد بالدرب.
ثم كان ما كان من قساوة في القلب ، وغلظة في الطبع.
نحن نتغير دون أن ندري ، لكننا لا نلتفت إلى تغيرنا حتى نصل إلى غاية السوء ثم ننتبه ، هذا إن إنتبهنا أصلا.
مع أننا نلتفت للتغير الطفيف في أحوال السيارات والهواتف وربما الأثاث والجدران.
لكننا بطاء الملاحظة في تشققات النفس وتصدعات القلب ، رغم أنها تفسد وتخرب أسرع مما عندنا من ممتلكات.
أخرج مسلم في صحيحه أن ابْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ :
( مَا كَانَ بَيْنَ إِسْلَامِنَا وَبَيْنَ أَنْ عَاتَبَنَا اللهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ ). إِلَّا أَرْبَعُ سِنِينَ ).
سبحان الله!
أربع سنوات ثم عوتبوا ، فكيف بمن يقيم على حال فاسدة أضعاف هذا العدد من السنين دون أن يلتفت للسان الذي بدأ يكذب ،
وللنفس التي ملأها التعاظم ، ولجميع خُلُقه الذي إعتراه الشين في كل شيء!
نحن نتغير يا سادة ، وهذه لا ريب سنة الحياة ، لكن المخيف أن نتغير حتى نفسد ولا ننتبه.
في الحديث المرسل أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه” لَمَّا قَدِمَ أَهْلُ الْيَمَنِ وَسَمِعُوا الْقُرْآنَ جَعَلُوا يَبْكُونَ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : هَكَذَا كُنَّا ثُمَّ قَسَتِ الْقُلُوبُ “
وهذا المتهم لنفسه بالقسوة كان ألين الناس قلبا حتى مات ، فكيف بنا؟!
إقرأ أيضا: توبة الإمام مالك بن دينار
رأيت أصحابا لي كانوا ملائكة يمشون على الأرض ، ثم غيبتنا أقدار الله عنهم زمنا حتى رأيتهم على حال موجعة من سوء الخُلُق ،
ورداءة السمت فارتعد قلبي ، واغتمت نفسي ، وإن كنت لا أبرئها مما رأيتهم عليه.
أيقنت أن النفوس تصدأ ما لم تُجْل كل حين ، ولو كانت نفوس الصحابة.
وأن قِدم العهد بالهداية لا يشفع لصاحبها ما لم يكن وراءه حال مع الله ، وأي حال.
فالإيمان والأخلاق ودائع الله عند من إختارهم ، فإن صانوها وزكوها وإلا فغيرهم أولى بها منهم.
فارصدوا تغير أنفسكم يا إخوتي ، وعودوا ما استطعتم لصفائكم الأول ، وأوقفوا هذا اللهاث الذي أتعب الصدر ، ولم يشبع النفس.
وانظروا في مرايا الباطن لتعلموا كم الهزال الذي أحدثتموه فيه ،
فالدنيا كلها لا تساوي لحظة من ربيع القلب الذي كنا نحياه ، فكيف لو كانت شهورا ، بل سنوات.