من أين علمتي أنه يحبك ؟
من أين علمتي أنه يحبك ؟
يقول أحد السلف دخلت السوق فرأيت جارية ينادى عليها بالبراءة من العيوب فاشتريتها بعشرة دنانير.
فلما إنصرفت بها أي إلى المنزل عرضت عليها الطعام فقالت لي : إني صائمة.
قال : فخرجت فلما كان العشاء أتيتها بطعام فأكلت منه قليلا ، ثم صلينا العشاء فجاءت إلي.
ّوقالت : يا مولاي هل بقيت لك خدمة ؟
قلت : لا
قالت : دعني إذاً مع مولاي الأكبر.
قلت : لك ذلك
فانصَرَفَتْ إلى غرفتها تصلي فيها ،
ورقدت أنا فلما مضى من الليل الثلث ضربت الباب علي.
فقُلتُ لها : ماذا تريدين
قالت : يا مولاي أما لك حظاً من الليل ؟
قلتُ : لا
فَذَهَبَتْ فلما مضى النصف منه ضَرَبَتْ عليَّ الباب.
وقالت : يا مولاي ،
قام المتهجدون إلى وردهم وشمر الصالحون إلى حظهم
قلت : يا جارية أنا بالليل خشبة ، أي جثة هامدة وبالنهار جلبة( أي كثير السعي ).
فلما بقي من الليل الثلث الأخير ، ضربت عليَّ الباب ضَرباً عنيفا ،
وقالت : أما دعاك الشوق إلى مناجاة الملك ؟!
قَدِّم لنفسك وَخُذ مكاناً فقد سَبَقَكَ الخُدام.
قال : فهاج مني كلامها وقمت فأسبغت الوضوء وركعت ركعات ،
ثم تحسست هذه الجارية في ظلمة الليل فوجدتها ساجدة وهي تقول :
إلهي بحبك لي ألا غفرت لي.
فقلت لها : يا جارية ،
ومن أين علمت أنه يحبك ؟
قالت أما سمعت قول الله تعالى ، يحبهم ويحبونه.
ولولا محبته ما أقامني وأنامك.
إقرأ أيضا: ﺫﻛﺮ إﺑﻦ ﻗﺪﺍﻣﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﻲ رحمه الله ﻋﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺑﻦ ﺯﻳﺪ ﻗﺎﻝ
فقلت : إذهبي فأنت حرة لوجه الله العظيم.
فَدَعَتْ ثم خرجت وهي تقول :
هذا العتق الأصغر بقي العتق الأكبر ، أي من النار.
حزنت عندما قرأت قول أحد الصالحين :
(إذا رأيت نفسك متكاسلاً عن الطاعة ، فاحذر أن يكون الله قد كره طاعتك).
قال تعالى في سورةالتوبة :
“كره الله انبعاثهم فثبطهم”
لعل الحرص على نشرها أن توقظ قلوبًا غافلة!
يا جارية ومن أين علمت أنه يحبك ؟
والجواب لولا محبته ما أقامني وأنامك
ما أبسط الجواب ، وما أعظم المعنى.
سنرحل ، ويبقى الأثر ، الأثر فقط.