من تراث العرب والمسلمين
من تراث العرب والمسلمين
أن سيدنا عبد الله بن الزبير وقف ضدا ليزيد بن معاوية حين ورث الأخير الحكم عَن أبيه فلما مات يزيد وولي ابنه وتولى مروان بن الحكم ،
إستفحل أمر عبد الله بن الزبير وامتدَّ سُلطانُه حتى ضَمَّ الحجاز واليمن والعراق وخراسان ،
إلى أنْ مات مروان بن الحكم ودعا إبنه عبد الملك لنفسه وأجابَه أهلُ الشامِ ،
فعقد للحجاج بن يوسف الثقفي ليُقاتل إبن الزبير ويقضي على مُلكِه.
ويروى أنَّ الحجاجَ حاصر إبن الزبير في الحرم قريبا مِن سَبعَةِ أشهُر يَرميهِ بالمنجنيق.
فَتَفَرَّقَ الناسُ عَنه ، فدخل عبد الله على أمه قائلاً :
يا أمُّاه قد خذلني الناس حتى ولدي وأهلي ولَم يبقَ معي إلا اليسير ،
ومن ليس عنده أكثر مِن صبر ساعة والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا ؛ فما رأيك؟
يقصد أن بني أمية يساومونه على أن يترك لهم الأمر ويوفرون له ما أراد مِن أمر الدنيا.
فقالت أمه : يا بُنَي أنتَ أعلَمُ بِنَفسِك ، إنْ كُنتَ تَعلَمُ أنّكَ على حَقٍّ ،
وإليه تدعو فامضِ لَه فقد قُتِلَ عليه أصحابُك ولا تُمَكِّن مِن رقبتكَ فيتلاعُبُ برأسِكَ غِلمانُ بَني أمية.
وإنْ كُنتَ إنّما أرَدتَ الدُّنيا فَبِئسَ العَبدُ أنتْ أهلَكتَ نَفسَكَ ومَن قُتِلَ مَعَك ،
وإنْ قُلتَ : كُنتُ على الحقِّ فَلَمّا وَهَنَ أصحابي ضَعفتُ فهذا لَيسَ فِعلُ الأحرارِ ولا أهلُ الدّين ، كَم خلودُك في الدنيا؟
القتلُ أحسن!
لَم تُبقِ أسماءُ لابنِها خياراً أو قولاً إلا بَسَطَتهُ ووَزَنَتهُ وهي في ذلكَ الوقت في سنتها المئة لَم يَسقُط لها سِنٌّ ولَم يُنكر لها عقل.
فقال عبد الله يا أماه ، أخافُ إنْ قَتَلني أهلُ الشامِ أنْ يُمَثِّلوا بي ويَصلِبوني.
إقرأ أيضا: الشهيد الذي مات ولم يمر على إسلامه سوى دقائق معدودات
عندها قالت أسماءُ قولَتَها المشهورة:
يا بُني (لا يَضُرُّ الشاةَ سَلخُها بَعدَ ذَبحِها) ،
فامضِ على بَصيرَتِكَ واستعن بالله.
فقال لها: هذا رأيي الذي قُمتُ به داعياً إلى يومي هذا ،
ما رَكَنتُ إلى الدُّنيا وما أحبَبتُ الحياةَ فيها وما دعاني إلى الخروج على القومِ إلا الغضبُ للهِ أنْ تُستَحَلَّ حُرماتُه.
ولكني أحبَبتُ أنْ أعلمَ رأيَكِ فقد زِدتِني بصيرة فانظُري يا أماه فإني مَقتولٌ في يومي هذا فلا يَشتَدَّنَّ حُزنُكِ.
وبالفعل قتل الحجاج عبد الله بن الزبير رضي الله عنه ، حيث رماه بالمنجنيق ،
وصلب جسده أياما حتى أتت أمه وقالت قولتها الشهيرة :
يا حجاج (أما آن لهذا الفارس أن يترجل؟) ، فأنزل ولدها ودفن.
وسارت الركبان بمقولتيها الشهيرتين .