من خواطر اليهودي الدمشقي عاموس
من خواطر اليهودي الدمشقي عاموس
يقول في أيام رمضان في دمشق كان يأتينا الطعام من كل بيت مسلم ، فذاك يعطينا الطبخ ،
وآخر يعطينا اللبن وثالث يعطينا الخضار والفواكه والرابع يعطينا شوربة أو لبنية.
كان بيتنا مزارا لأطفال وبنات ونساء جيراننا المسلمين الذين يقدمون لنا أصناف الطعام.
كانت أمي تجعلنا نصوم مع المسلمين بالرغم من أننا لسنا صائمين.
وكانت ترفض طبخ الغداء في بيتنا حتى لا يشم رائحة الطبخ جيراننا المسلمين الصائمين.
كانت أمي تنتظر حتى يبدأ المسلمون في طبخ فطورهم فتطبخ لنا معهم.
وكانت تحذرني بعدم الأكل في الشارع أمام الصائمين ،
وكنت أخرج في عصر رمضان أتمشى في سوق الشاغور وأشاهد الزحام على بائعي الخضار والفواكه.
كان المسلمون يشترون ويعطوني ، وإن رفضت يجبروني على أخذها ، كنت أحس بالسعادة ، وكنت أشعر أني مسلم.
نسيت ديانتي معهم ، وكنت أذهب إلى أماكن بيع اللحوم ، ومحلات سلخ الدجاج أنظر إليهم وهم يسلخونها.
وفي يوم أعطاني مسلم 3 حبات سمبوسة ، لم أقاوم رائحتها ، ولم أنتظر حتى أعود للبيت وآكلها ،
بل أكلتها في الشارع ، فصاح من حولي أطفال الحارة : “فاطر ، فاطر”!
ذهبوا إلى أمي وأخبروها أني فاطر ، فأخذت خيزرانة وضربتني أمامهم ،
وأدخلتني إلى البيت ووبختني ومنعتني من الخروج لمدة أسبوع لأنني لم أحترم مشاعر وشعائر المسلمين.
وعندما سمحت لي بالخروج بعدها كانت تفتشني خشية أن أكون قد أخذت معي كسرة خبز أو ماء.
لقد عشنا في إحترام متبادل ، لا تفرقه دينية ولا خلاف.
لم أجد اليوم ذلك الحب والإحترام الذي وجدناه من جيراننا المسلمين ،
ورغم أنهم لم يكونوا أثرياء بل بسطاء إلا أنهم سعداء ومرتاحون وراضون بما معهم.
كانوا أغنياء بأخلاقهم وبأنفسهم العزيزة وبتعاملهم الراقي والإنساني معنا ،
اليوم أنا في المهجر في بلاد غير بلادي ، إنها إسرائيل أرض الميعاد كما أخبرني بها والدي ، حين كنا ذاهبين إليها.
إقرأ أيضا: أقوال ولها معانيها
أجد نفسي اليوم غريباً بين قوم هم أصلاً ديانتهم نفس ديانتي ،
لكن معاملتهم وأخلاقهم غير تلك التي عرفتها بين أهلي ووطني الحقيقي ، أرض الطيبين والمتسامحين.
نحن هنا غرباء كرهائن في أرض ليست لنا ، ولا تهتم بنا إلا من باب أنها أرض اليهود ومجتمعهم ،
لكني أشك في ذلك ، وأظن أني ووالديَّ وأسرتي أخطأنا الطريق عندما تخلينا عن عروبتنا وأصولنا الدمشقية العريقة ،
وانتمينا إلى شعوب من غير جلدتنا.
وكما يقول المثل الدمشقي الأصيل ، ( من خرج من أرضه ظلم نفسه ).
ها نحن ندفع الثمن لاجئين بين أربعة جدران وعشرين شارعا ،
بينما كنا في أهلنا ووسط بلادنا نسرح ونمرح في أرجاء دمشق دون خوف أو حتى غربة ، ولا فرق بين مسلم أو يهودي.
لا تستغربوا عندما أقول لكم أنني ذات يوم دخلت المسجد في دمشق ،
وصليت جوار أصحابي الصغار ولم أشعر أنني غير مسلم إلا بعدما خرجت من المسجد ، حقيقة مرة !
كلما تذكرت ذلك أيقنت أنني فارقت أرض الطيبين وأرض الصالحين ، أنا وأسرتي ،
وارتضيت بالسجن المؤبد في بلاد أشك أنها تنتمي إلي أو أنا أنتمي إليها.