من طرائف الأصمعي قال
من طرائف الأصمعي قال :
دعاني بعض العرب الكرام إلى الطعام فخرجت معهم إلى البادية فأتوا بإناء مليء بالسمن وجلسنا للأكل ،
فجاء أعرابي يقطع غمار الأرض قطعًا ووراءه غبار حتى وصل فجلس على المائدة من غير دعوة ، ثم مدّ يده في السمن ،
وكان يرفع يديه فيسيل السمن من بين أصابعه فيصنع خطوطًا ، فأردت أن أُضحك القوم عليه فقلت له يا أعرابي :
كأنكَ أثلةٌ في أرضِ هشِّ
أصابها وابلٌ من بعد رشِّ
فالتفت إلي الأعرابي وعينه محمرة وقال :
كأنك بعرة في إست كبشِ
مدلّاة وذاك الكبشُ يمشي.
قال الأصمعي :
فضحك علي القوم جميعهم ، فشعرت بالحرج فنظرت إليه ، وقلت له : يا أعرابي هل تعرف الشعر أو ترويه ؟
فقال الأعرابي : كيف لا أقول الشعر وأنا أبوه وأمه.
فقلت له : عندي قافيةٌ تريدُ عطاءً.
فقال الأعرابي : هات ما عندك.
قال الأصمعي :
فغصت في بحار العربية فما وجدت أصعب من قافية الواو الساكنة المفتوح ما قبلها.
فقلت له يا أعرابي :
قومٌ بِنجدٍ عهدناهم
سقاهمُ اللهُ منَ النوْ
أتدري ما النوْ يا أعرابي ؟
فالتفت الأعرابي إلي وقال :
نوٌّ تلألأ في دجى ليلة
حالكةٍ مظلمةٍ لوْ
فقلت له : لو ماذا؟ ، فقال :
لو سارَ فيها فارسٌ لانثنى
على بساطِ الأرضِ منطو.
فقلت له : منطو ماذا؟ ، فقال :
منطوي الكشحِ هضيمُ الحشا
كالبازِ ينقضُّ من الجَوْ
وكان الأصمعي يزيد الأسئلة على الأعرابي
حتى يصعب عليه.
إقرأ أيضا: عقدة ممرض الطبيب
قال الأصمعي : فقلت : جو ماذا؟ ، فقال :
جوُّ السما والريحُ تعلو بهِ
اشتمَّ ريحَ الأرضِ فاعلَوْ
فقلت له : اعلوَّ ماذا؟ ، فقال :
فاعلوَّ لما عيلَ من صبرهِ
فصارَ نحوَ القومِ ينعَوْ
فقلت له : ينعَوْ ماذا؟ ، فقال :
ينعو رجالًا للفنى شرعت
كفيت بما لاقوا ويلقوا
قال الأصمعي فعلمت أنه لا شيء بعد الفناء ولكن أردت أن أُثقل عليه ،
فقلت له : ويلقوا ماذا؟ ، فقال :
إن كنتَ لا تفهمُ ما قلتُهُ
فأنتَ عندي رجلٌ بَوْ
فقلت له : بَوْ ماذا؟ ، فقال :
البوُّ سلخٌ قد حشا جلده
بأظلفَ قرنينِ تقم أَوْ
فقلت : أو ماذا؟ ، فقال :
أو أضربُ الرأسَ بصوانة
تقول في ضربتها قَوْ
قال الأصمعي :
فخشيت أن أقول له قَوْ ماذا فيأخذ العصا ويضربني
ويكمل حتى لا ننتهي أبدا.