من مقاصد سورة البقرة
إعداد الأمة لعمارة الأرض والقيام بدين الله ، وبيان أقسام الناس ، وفيها أصول الإيمان وكليات الشريعة.
الوقفات التدبرية
﴿الٓمٓ (١) ذَٰلِكَ ٱلْكِتَٰبُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾
إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها بيانا لإعجاز القرآن ، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله ،
هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها.
ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلا بد أن يذكر فيها الإنتصار للقرآن ،
وبيان إعجازه وعظمته ، وهذا معلوم بالإستقراء. (ابن كثير 1/36-37)
ما سبب إرتباط الحروف المقطعة بذكر عظمة القرآن وإعجازه؟
﴿ذَٰلِكَ ٱلْكِتَٰبُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾
لم يقل : هدى للمصلحة الفلانية ، ولا للشيء الفلاني ؛ لإرادة العموم ، وأنه هدى لجميع مصالح الدارين ؛
فهو مرشد للعباد في المسائل الأصولية والفروعية ، ومُبَيِّن للحق من الباطل ، والصحيح من الضعيف ،
ومبين لهم كيف يسلكون الطرق النافعة لهم في دنياهم وأُخراهم. (السعدي 40)
كيف يستدل بهذه الآية على شمول هداية القرآن لمصالح الدارين؟
﴿ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ﴾
الإيمان بالغيب حظ القلب ، وإقام الصلاة حظ البدن ، (ومما رزقناهم ينفقون) حظ المال ، وهذا ظاهر. (القرطبي 1/274)
جمعت الآية بين ثلاثة من مواضع التقوى ، فما هي؟
﴿وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ﴾
لم يقل : يفعلون الصلاة ، أو يأتون بالصلاة ؛ لأنه لا يكفي فيها مجرد الإتيان بصورتها الظاهرة ؛
فإقامة الصلاة : إقامتها ظاهرا بإتمام أركانها وواجباتها وشروطها ، وإقامتها باطنا بإقامة روحها ؛
وهو حضور القلب فيها ، وتدبر ما يقوله ويفعله منها. (السعدي 41)
إقرأ أيضا: نوايا عند قراءة القرآن
لماذا عُبِّر عن فعل الصلاة بالإقامة؟
﴿وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ﴾
وأتى بـ (من) الدالة على التبعيض ؛ لينبههم أنه لم يرد منهم إلا جزءا يسيرا من أموالهم ،
غير ضار لهم ، ولا مثقل ، بل ينتفعون هم بإنفاقه ، وينتفع به إخوانهم ، وفي قوله :
(رزقناهم) إشارة إلى أن هذه الأموال التي بين أيديكم ، ليست حاصلة بقوتكم وملككم ، وإنما هي رزق الله الذي خولكم ،
وأنعم به عليكم ؛ فكما أنعم عليكم وفضلكم على كثير من عباده فاشكروه بإخراج بعض ما أنعم به عليكم. (السعدي 41)
لماذا جيء بـ (من) الدالة على التبعيض؟
﴿ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ﴾
وجه ترتب الإنفاق على الإيمان بالغيب أن المدد غيب ؛ لأن الإنسان لما كان لا يطلع على جميع رزقه كان رزقه غيبا ،
فاذا أيقن بالخلف جاد بالعطية ، فمتى أمد بالأرزاق تمت خلافته ، وعظم فيها سلطانه ،
وانفتح له باب إمداد برزق أعلى وأكمل من الأول. (البقاعي 1/30)
ما وجه ترتب الإنفاق على الإيمان بالغيب؟
﴿وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾
واليقين أعلى درجات العلم ؛ وهو الذي لا يمكن أن يدخله شك بوجه. (ابن عطية 1/86)
كلما عظم العلم بالآخرة عظم العمل لها ، وضح ذلك من الآية.
من أسباب حصول الهداية بالقرآن تقوى الله تعالى ، فقدم دائما مراد الله على هوى نفسك ، ﴿ذَٰلِكَ ٱلْكِتَٰبُ لَا رَيْبَ فِيهِ ۛهُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾
إقرأ أيضا: تقع سورة البقرة على إمتداد جزئين وثمان صفحات
سعادتك بالفلاح ، والفلاح لا يناله إلا من إتصف بهذه الصفات ،
﴿ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ (٣)وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤)أُو۟لَٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ﴾
من أهم صفات المؤمنين : ثباتهم على إيمانهم في حال الغيب وحال الشهادة ،
ومراقبتهم لله على كل الأحوال ، ﴿ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ﴾
العمل بالآيات
مبنى التقوى على مخالفة شرع الله لهوى نفسك إختبارا لإيمانك ،
فحدد أمرا في حياتك ترى أنك تقدم فيه هوى نفسك على شرع الله سبحانه وتراجع عنه مستغفراً ربك ،
﴿ذَٰلِكَ ٱلْكِتَٰبُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾
حاسب نفسك في أمر الصلاة ، وتفقد اليوم جوانب التقصير فيها فكمله ،
وأقمه على الوجه المطلوب شرعا ، ﴿ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ﴾
إختبر إيمانك باليوم الآخر ويقينك به بالإنفاق اليوم من مال الله الذي آتاك ،
موقناً أن الله تعالى سيخلفه عليك في الدنيا والآخرة ،
﴿ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ﴾